(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا : بَلى شَهِدْنا! أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ : إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا : إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ ، أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ؟) ..
ويمضي السياق بعد ذلك في تعقيبات منوعة ، يعرض في أحدها بعد مشهد العهد الفطري مباشرة ، مشهد الذي آتاه الله آياته ثم انسلخ منها ـ كبني إسرائيل وككل من يؤتيه الله آياته ثم ينسلخ منها! ـ وهو مشهد يذكرنا بصوره وحركته وإيقاعه والتعقيب عليه بمشاهد سورة الأنعام وجوها كذلك :
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها ، فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ. وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها ، وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ : إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ ، أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ! ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا ؛ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ. مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ. وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ، لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ، وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها ، أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ، أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) ..
* * *
ثم يمضي السياق يتحدث عن مسائل العقيدة حديثا مباشرا. ويعرض مع الحديث بعض المؤثرات من المشاهد الكونية ومن التحذير من بأس الله وأخذه ؛ ومن لمس قلوبهم ليتفكروا ويتدبروا في شأن الرسول ورسالته ...
(وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها ، وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ ، سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ. وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ ، إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ. أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا؟ ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ ، إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ ، وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ؟ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ؟ مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ ، وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) ..
ثم يأمر الله رسوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن يعلمهم طبيعة الرسالة وحدود الرسول فيها. وذلك بمناسبة سؤالهم له عن تحديد موعد القيامة التي يخوفهم بها!
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها؟! قُلْ : إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي ، لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ، ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً. يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها! قُلْ : إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. قُلْ : لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا ـ إِلَّا ما شاءَ اللهُ ـ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ. إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ..
* * *
ثم يصور لهم كيف تنحرف النفس ـ التي أخذ الله عليها العهد الذي أسلفنا ـ عن التوحيد الذي أقرت به فطرتها ؛ ويستنكر تصورات الشرك ومعبوداته ؛ ويوجه رسوله صلىاللهعليهوسلم في نهاية هذه الفقرة إلى تحديهم وتحدي آلهتهم العاجزة :
(قُلِ : ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ. إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِين).