قائمة الکتاب

    إعدادات

    في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
    بسم الله الرحمن الرحيم

    في ظلال القرآن [ ج ٣ ]

    في ظلال القرآن [ ج ٣ ]

    539/654
    *

    (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ ، وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ ، إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ، وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً ، وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ ، لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ..

    ومع هذا التحضيض العميق على النفرة للجهاد بيان لحدود التكليف بالنفير العام. وقد اتسعت الرقعة وكثر العدد ، وأصبح في الإمكان أن ينفر البعض ليقاتل ويتفقه في الدين ؛ ويبقى البعض للقيام بحاجات المجتمع كله من توفير للأزواد ومن عمارة للأرض ، ثم تتلاقى الجهود في نهاية المطاف :

    (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً. فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ، لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ ، لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ!).

    وفي الآية التالية تحديد لطريق الحركة الجهادية ـ بعد ما أصبحت الجزيرة العربية بجملتها قاعدة للإسلام ونقطة لانطلاقه ـ وأصبح الخط يتجه إلى قتال المشركين كافة حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله .. وقتال أهل الكتاب كافة كذلك حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون :

    (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ ، وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ..

    وعقب هذا البيان المفصل لبيان طبيعة البيعة ومقتضياتها وتكاليفها وخطها الحركي .. يعرض السياق مشهدا من صفحتين تصوران موقف المنافقين وموقف المؤمنين من هذا القرآن وهو يتنزل بموجبات الإيمان القلبية ، وبالتكاليف والواجبات العملية. ويندد بالمنافقين الذين لا تهديهم التوجيهات والآيات ، ولا تعظهم النذر والابتلاءات :

    (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً ؛ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ. أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ؟ وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ : هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ ثُمَّ انْصَرَفُوا. صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) ..

    ويختم الدرس وتختم معه السورة بآيتين تصوران طبيعة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وحرصه على المؤمنين ورأفته بهم ورحمته. مع توجيهه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى الاعتماد على الله وحده ، والاستغناء عن المعرضين الذين لا يهتدون :

    (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ، عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ ، حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ، بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ).

    ولعله من خلال هذا العرض الإجمالي لمحتويات هذا المقطع الأخير في السورة يتجلى مدى التركيز على الجهاد ؛ وعلى المفاصلة الكاملة على أساس العقيدة ؛ وعلى الانطلاق بهذا الدين في الأرض ـ وفقا للبيعة على النفس والمال بالجنة للقتل والقتال ـ لتقرير حدود الله والمحافظة عليها ؛ أي لتقرير حاكمية الله للعباد ، ومطاردة كل حاكمية مغتصبة معتدية!

    ولعله من خلال هذا العرض الإجمالي لهذه الحقيقة كذلك يتجلى مدى التهافت والهزيمة التي تسيطر على شراح آيات الله وشريعة الله في هذا الزمان ؛ وهم يحاولون جاهدين أن يحصروا الجهاد الإسلامي في حدود