يصاحب هذا الكشف تحذير الخلص من المؤمنين من كيد المنافقين ، وتحديد العلاقات بين هؤلاء وهؤلاء ، والمفاصلة بين الفريقين ، وتمييز كل منهما بصفاته وأعماله ...
* * *
وهذه المقاطع الأربعة قد سيقت بجملتها في الجزء العاشر .. إلا بقية في الحديث عن المتخلفين ، وعن حدود التبعة في التخلف عن الجهاد ..
ولقد كانت آخر آية في الجزء العاشر هي قوله تعالى :
(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى ، وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ ، حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ. ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ، وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ : لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ) ..
أما التكملة التي يبدأ بها هذا الجزء فهي قوله تعالى :
(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ ، رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ ، وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ ، فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ. يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ. قُلْ لا تَعْتَذِرُوا ، لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ ، قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ ، وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ، ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ؛ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ ، وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ ، فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) ..
وقد كان هذا من إنباء الله ـ سبحانه ـ لنبيه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عما سيكون من حال المنافقين المتخلفين وأعذارهم إذا رجع من الغزوة سالما هو ومن معه من المسلمين الخلص ؛ وتوجيه له ولهم إلى ما يجب أن يجيبوهم به ، وما يجب أن يعاملوهم به كذلك.
* * *
بعد ذلك يجيئ المقطع الخامس في السورة وهو يتولى تصنيف المجتمع المسلم بجملته في هذه الفترة ـ من الفتح إلى تبوك ـ ومنه نعلم ـ كما قلنا في تقديم السورة ـ أنه كان إلى جواز السابقين المخلصين من المهاجرين والأنصار ـ وهم الذين كانوا يؤلفون قاعدة المجتمع المسلم الصلبة القوية ـ جماعات أخرى .. الأعراب ، وفيهم المخلصون والمنافقون. والمنافقون من أهل المدينة ، وآخرون خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ولم يتم انطباعهم بالطابع الإسلامي ، ولم يصهروا في بوتقة الإسلام تماما. وطائفة مجهولة الحال لا تعرف حقيقة مصيرها ، متروك أمرها لله وفق ما يعلمه من حقيقة حالها ومآلها. ومتآمرون يتسترون باسم الإسلام ، ويدبرون المكائد ، ويتصلون بأعداء الإسلام في الخارج .. والنصوص القرآنية تتحدث عن هذه الجماعات كلها في اختصار مفيد ؛ وتقرر كيف تعامل في المجتمع المسلم ؛ وتوجه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والخلص من المسلمين إلى طريقة التعامل مع كل منهم في مثل هذه النصوص :
(الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ. وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً ، وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ. عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ ، وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ. أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ ، سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ ، إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ..
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ،