وإنه لضحك في هذه الأرض وأيامها المعدودة ، وإنه لبكاء في أيام الآخرة الطويلة. وإن يوما عند ربك كألف سنة مما يعدون.
(جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) ..
فهو الجزاء من جنس العمل ، وهو الجزاء العادل الدقيق.
هؤلاء الذين آثروا الراحة على الجهد ـ في ساعة العسرة ـ وتخلفوا عن الركب في أول مرة. هؤلاء لا يصلحون لكفاح ، ولا يرجون لجهاد ، ولا يجوز أن يؤخذوا بالسماحة والتغاضي ، ولا أن يتاح لهم شرف الجهاد الذي تخلوا عنه راضين :
(فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ ، فَقُلْ : لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ، إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) ..
إن الدعوات في حاجة إلى طبائع صلبة مستقيمة ثابتة مصممة تصمد في الكفاح الطويل الشاق. والصف الذي يتخلله الضعاف المسترخون لا يصمد لأنهم يخذلونه في ساعة الشدة فيشيعون فيه الخذلان والضعف والاضطراب. فالذين يضعفون ويتخلفون يجب نبذهم بعيدا عن الصف وقاية له من التخلخل والهزيمة. والتسامح مع الذين يتخلفون عن الصف في ساعة الشدة ، ثم يعودون إليه في ساعة الرخاء ، جناية على الصف كله ، وعلى الدعوة التي يكافح في سبيلها كفاحه المرير ..
(فَقُلْ : لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا).
لما ذا؟.
(إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) ..
ففقدتم حقكم في شرف الخروج ، وشرف الانتظام في الكتيبة ، والجهاد عبء لا ينهض به إلا من هم له أهل. فلا سماحة في هذا ولا مجاملة :
(فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) ..
المتجانسين معكم في التخلف والقعود.
هذا هو الطريق الذي رسمه الله تعالى لنبيه الكريم ، وإنه لطريق هذه الدعوة ورجالها أبدا. فليعرف أصحابها في كل زمان وفي كل مكان ذلك الطريق ..
وكما أمر الله رسوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بألا يسمح للمتخلفين في ساعة العسرة أن يعودوا فينتظموا في الصفوف ، كذلك أمره ألا يخلع عليهم أي ظلال من ظلال التكريم :
(وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ. إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ).
ولقد ذكر المفسرون حوادث خاصة عنتها هذه الآية. ولكن دلالة الآية أعم من الحوادث الخاصة. فهي تقرر أصلا من أصول التقدير في نظام الجماعة المكافحة في سبيل العقيدة ، هو عدم التسامح في منح مظاهر التكريم لمن يؤثرون الراحة المسترخية على الكفاح الشاق ؛ وعدم المجاملة في تقدير منازل الأفراد في الصف. ومقياس هذا التقدير هو الصبر والثبات والقوة والإصرار والعزيمة التي لا تسترخي ولا تلين.
والنص يعلل هذا النهي في موضعه هنا (إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) وهو تعليل خاص بعدم الصلاة أو قيام الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على قبر منافق .. ولكن القاعدة ـ كما ذكرنا ـ أوسع