«ابتدأ الصليبيون سيرهم على بيت المقدس بأسوأ طالع ، فكان فريق من الحجاج يسفكون الدماء في القصور التي استولوا عليها. وقد أسرفوا في القسوة فكانوا يبقرون البطون ، ويبحثون عن الدنانير في الأمعاء! أما صلاح الدين ، فلما استرد بيت المقدس بذل الأمان للصليبيين ، ووفى لهم بجميع عهوده ، وجاد المسلمون على أعدائهم ووطأوهم مهاد رأفتهم ، حتى أن الملك العادل ، شقيق السلطان ، أطلق ألف رقيق من الأسرى ، ومنّ على جميع الأرمن ، وأذن للبطريرك بحمل الصليب وزينة الكنيسة ، وأبيح للأميرات والملكة بزيارة أزواجهن».
ولا يتسع المجال في الظلال لاستعراض ذلك الخط الطويل للحروب الصليبية ـ على مدار التاريخ ـ ولكن يكفي أن نقول : إن هذه الحرب لم تضع أوزارها قط من جانب الصليبية. ويكفي أن نذكر ماذا حدث في زنجبار حديثا. حيث أبيد المسلمون فيها عن بكرة أبيهم ، فقتل منهم اثنا عشر ألفا وألقي الأربعة الآلاف الباقون في البحر منفيين من الجزيرة! ويكفي أن نذكر ماذا وقع في قبرص ، حيث منع الطعام والماء عن الجهات التي يقطنها بقايا المسلمين هناك ليموتوا جوعا وعطشا ، فوق ما سلط عليهم من التقتيل والتذبيح والتشريد! ويكفي أن نذكر ما تزاوله الحبشة في اريترية وفي قلب الحبشة ، وما تزاوله كينيا مع المائة ألف مسلم الذين ينتمون إلى أصل صومالي ، ويريدون أن ينضموا إلى قومهم المسلمين في الصومال! ويكفي أن نعلم ماذا تحاوله الصليبية في السودان الجنوبي!
ويكفي لتصوير نظرة الصليبيين إلى الإسلام أن ننقل فقرة من كتاب لمؤلف أوربي صدر سنة ١٩٤٤ يقول فيه.
«لقد كنا نخوّف بشعوب مختلفة. ولكننا بعد اختبار ، لم نجد مبررا لمثل هذا الخوف .. لقد كنا نخوّف من قبل بالخطر اليهودي ، والخطر الأصفر ، وبالخطر البلشفي. إلا أن هذا التخويف كله لم يتفق كما تخيلناه. إننا وجدنا اليهود أصدقاء لنا ، وعلى هذا يكون كل مضطهد لهم عدونا الألد! ثم رأينا أن البلاشفة حلفاء لنا. أما الشعوب الصفراء فهنالك دول ديمقراطية كبرى تقاومها. ولكن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام ، وفي قوته على التوسع والإخضاع ، وفي حيويته .. إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي (١)».
ولا نستطيع أن نمضي أبعد من ذلك في استعراض تاريخ تلك الحرب العاتية التي أعلنتها الصليبية على الإسلام وما تزال .. وقد تحدثنا من قبل مرارا في أجزاء الظلال السابقة ـ بمناسبة النصوص القرآنية الكثيرة ـ عن طبيعة هذه المعركة ، الطويلة ، ومسائلها وأشكالها. فحسبنا هذه الإشارات السريعة هنا بالإحالة على بعض المراجع الأخرى القريبة (٢).
* * *
وهكذا نرى من هذا الاستعراض السريع ـ بالإضافة إلى ما قلناه من قبل عن طبيعة الإعلان الإسلامي العام
__________________
(١) من كتاب جورج براون نقلا عن كتاب : «التبشير والاستعمار في البلاد العربية» للدكتور مصطفى خالدي ، والدكتور عمر فروخ.
(٢) يراجع كتاب : «الاستعمار والتبشير» للدكتور مصطفى خالدي والدكتور عمر فروخ. وكتاب : «الغارة على العالم الإسلامي» للاستاذين اليافي ومحب الدين الخطيب. وكتاب : «الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر» للدكتور محمد محمد حسين. وكتاب : «هل نحن مسلمون» لمحمد قطب. «دار الشروق».