في مكة لم تكن توجد جاليات يهودية أو نصرانية ذات عدد أو وزن في المجتمع .. إنما كان هناك أفراد ، يحكي القرآن عنهم أنهم استقبلوا الدعوة الجديدة إلى الإسلام بالفرح والتصديق والقبول ؛ ودخلوا في الإسلام ، وشهدوا له ولرسوله بأنه الحق المصدق لما بين أيديهم .. ولا بد أن يكون هؤلاء ممن كان قد بقي على التوحيد من النصارى واليهود ؛ وممن كان معهم شيء من بقايا الكتب المنزلة .. وفي أمثال هؤلاء وردت مثل هذه الآيات :
* (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ. وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا : آمَنَّا بِهِ ، إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا ، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ) ... (القصص : ٥٢ ـ ٥٣).
* (قُلْ : آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا ، إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ، وَيَقُولُونَ : سُبْحانَ رَبِّنا ، إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً. وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) ... (الإسراء : ١٠٧ ـ ١٠٩).
* (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ ، وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ ، فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ، إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ... (الأحقاف : ١٠).
* (وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ ، فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ، وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ ، وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ) ... (العنكبوت : ٤٧).
* (أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ، فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) ... (الأنعام : ١١٤).
* (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ، وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ. قُلْ : إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ ، إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ) ... (الرعد : ٣٦).
وقد تكررت هذه الاستجابة من أفراد كذلك في المدينة ؛ حكى عنهم القرآن بعض المواقف في السور المدنية ؛ مع النص في بعضها على أنهم من النصارى ، ذلك أن اليهود كانوا قد اتخذوا موقفا آخر غير ما كان يتخذه أفراد منهم في مكة ، عند ما أحسوا خطر الإسلام في المدينة :
* (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ ، خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً ، أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ، إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) ... (آل عمران : ١٩٩).
* (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ، وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا : إِنَّا نَصارى. ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً ، وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ، يَقُولُونَ : رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ. وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ؟ فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ، وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) ... (المائدة : ٨٢ ـ ٨٥).
ولكن موقف هؤلاء الأفراد لم يكن يمثل موقف الغالبية من أهل الكتاب في الجزيرة ـ ومن اليهود منهم بصفة خاصة ـ فقد جعل هؤلاء يشنون على الإسلام ، منذ أن أحسوا خطره عليهم في المدينة ، حربا خبيثة ، يستخدمون فيها كل الوسائل التي حكاها القرآن عنهم في نصوص كثيرة ؛ كما أنهم في الوقت ذاته رفضوا الدخول في الإسلام طبعا ؛ وأنكروا وجحدوا ما في كتبهم من البشارة بالرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ومن