وأخذا يقسمان بالله ويحلفان بالأيمان المغلظة انهما يخرجان للعمرة والتفت إليهما الإمام ونفسه مترعة بالريبة منهما فطلب منهما إعادة البيعة له ثانيا ففعلا دون تردّد ، ومضيا منهزمين إلى مكّة ، وكأنه قد اتيح لهما الخلاص من السجن فلحقا بعائشة ، فجعلا يحثّانها على الثورة على حكومة الإمام ، وقد كانا يعلمان بكراهيتها للإمام.
مع عائشة :
وفزعت عائشة حينما علمت أنّ الإمام عليهالسلام قد تقلّد زمام الحكم ، وآلت إليه زعامة الامّة ، فأعلنت العصيان والتمرّد ، ورفعت عقيرتها مطالبة بدم عثمان بن عفّان ، وقد كانت من أقوى العناصر التي نادت بسفك دمه ، فقد أفتت بكفره ومروقه من الدين ثمّ هى الآن تطالب بدمه ، وهل هي وليّة دمه حتى يباح لها ذلك؟ وهل هي وليّة أمر المسلمين حتى تطالب بدمه؟ أسئلة لا جواب لها فيما نعلم.
وعلى أي حال فقد رفعت علم الثورة على حكومة الإمام وراحت تستنهض المسلمين للإطاحة بحكومته ، وقد استجاب لها الغوغاء الذين تلوّنهم الدعاية كيفما شاءت ، فقد شكّلت منهم جيشا أمدّه الأمويّون بجميع المعدّات الحربية وما يحتاجون إليه ، وقد أنفقوا عليه أموالا هائلة كانت ممّا نهبوه من أموال المسلمين حينما كانوا ولاة من قبل عثمان بن عفّان ، وقد عرضنا لذلك في بعض أجزاء هذا الكتاب.
وقد احتلّت عائشة البصرة ، وحينما علم الإمام بذلك زحف بجيوشه للقضاء على هذا التمرّد ، وقبل أن تندلع نار الحرب بعث الإمام إليها عبيد الله بن عبّاس وزيد ابن صوحان يدعوها إلى حقن دماء المسلمين ، وقال لهما قولا لها :
« إنّ الله أمرك أن تقرّي في بيتك وأن لا تخرجي منه ، وإنّك لتعلمين ذلك ، غير أنّ جماعة قد أغروك فخرجت من بيتك ، فوقع النّاس