المعركة مع الضعف البشري ومع رواسب الجاهلية ومع المعسكرات المعادية في وقت واحد. ونرى منهج القرآن في التربية ـ وهو يعمل في النفوس الحية في عالم الواقع ـ ونرى طرفا من الجهد الموصول الذي بذله هذا المنهج ، حتى انتهى بهذه المجموعة ـ المختلفة الدرجات ، المختلفة السمات ، الملتقطة ابتداء من سفح الجاهلية ـ إلى ذلك التناسق والتكامل والارتفاع ، الذي نشهده في أواخر أيام الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بقدر ما تسمح به الفطرة البشرية كذلك!
وهذا يفيدنا .. يفيدنا كثيرا ..
يفيدنا في إدراك طبيعة النفس البشرية ، وما تحمله من استعدادات الضعف واستعدادات القوة. متمثلة في خير الجماعات .. الجماعة التي رباها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بالمنهج القرآني ..
ويفيدنا في إدراك طبيعة المنهج القرآني في التربية ؛ وكيف كان يأخذ هذه النفوس ؛ وكيف كان يتلطف لها ؛ وكيف كان ينسق الصف ، الذي يحتوي على نماذج شتى من مستويات شتى. حيث نراه وهو يعمل في عالم الواقع .. على الطبيعة ..!
ويفيدنا في أن نقيس حالنا وحال المجموعات البشرية ؛ على واقع النفس البشرية ، ممثلة في تلك الجماعة المختارة .. كي لا نيأس من أنفسنا حين نطلع على مواضع الضعف ، فنترك العلاج والمحاولة! وكي لا تبقى الجماعة الأولى ـ على كل فضلها ـ مجرد حلم طائر في خيالنا ، لا مطمع لنا في محاولة السير على خطاها. من السفح الهابط ، في المرتقى الصاعد ، إلى القمة السامقة!
وكل هذه ذخيرة ، حين نخرج بها ـ من الحياة في ظلال القرآن ـ نكون قد جنينا خيرا كثيرا إن شاء الله ..
إن من خلال هذه المجموعة من آيات هذا الدرس يبدو لنا أنه كان في الصف المسلم يومذاك :
«أ» من يبطىء نفسه عن الجهاد في سبيل الله ، ومن يبطىء غيره. ثم يحسبها غنيمة إذا لم يخرج فسلم ، على حين أصابت المسلمين مصيبة! كما يعدها خسارة إذا لم يخرج فغنم المسلمون ، لأنه لم يكن له سهم في الغنيمة! وبذلك يشتري الدنيا بالآخرة!
«ب» وكان فيه من المهاجرين أنفسهم ـ وممن كانت تأخذهم الحماسة للقتال ودفع العدوان وهم في مكة ، مكفوفون عن القتال ـ من يأخذهم الجزع حينما كتب عليهم القتال في المدينة ؛ ويتمنى لو أن الله أمهلهم إلى أجل ، ولم يكتب عليهم القتال الآن!
«ج» ومن كان يرجع الحسنة ـ حين تصيبه ـ إلى الله ؛ ويرجع السيئة ـ حين تصيبه ـ إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لا لشدة إيمانه بالله طبعا ؛ ولكن لتجريح القيادة والتطير بها!
«د» ومن كان يقول : طاعة ، في حضرة الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فإذا خرج بيت هو ومن لف لفه غير الذي يقول!
«ه» ومن كان يتناول الشائعات ، فيذيع بها في الصف ؛ محدثا بها ما يحدثه من البلبلة ، قبل أن يتثبت منها ، من القيادة التي يتبعها!
«و» ومن كان يشك في أن مصدر هذه الأوامر والتوجيهات كلها هو الله سبحانه. ويظن أن بعضها من عند النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لا مما أوحي له به!
«ز» ومن كان يدافع عن بعض المنافقين ـ كما سيأتي في مطلع الدرس التالي ـ حتى لتنقسم الجماعة المسلمة