والمقاومة ؛ وأن الحركات التي قامت لطرد الهجوم المسلح على هذا الدين ـ الممثل في الاستعمار ـ إنما كانت ترتكز على قاعدة من الوعي الديني أو على الأقل العاطفة الدينية ؛ وأن استمرار الهجوم على الإسلام ـ ولو في الصورة الفكرية ـ سيظل يثير حماسة الدفاع والمقاومة! لذلك يلجأ معظمهم إلى طريقة أخبث .. يلجأ إلى إزجاء الثناء لهذا الدين ، حتى ينوم المشاعر المتوفزة ، ويخدر الحماسة المتحفزة ، وينال ثقة القارئ واطمئنانه .. ثم يضع السم في الكأس ويقدمها مترعة .. هذا الدين نعم عظيم .. ولكنه ينبغي أن يتطور بمفهوماته ويتطور كذلك بتنظيماته ليجاري الحضارة «الإنسانية» الحديثة! وينبغي ألا يقف موقف المعارضة للتطورات التي وقعت في أوضاع المجتمع ، وفي أشكال الحكم ، وفي قيم الأخلاق! وينبغي ـ في النهاية ـ أن يتمثل في صورة عقيدة في القلوب ، ويدع الحياة الواقعية تنظمها نظريات وتجارب وأساليب الحضارة «الإنسانية» الحديثة! ويقف فقط ليبارك ما تقرره الأرباب الأرضية من هذه التجارب والأساليب .. وبذلك يظل دينا عظيما ..!!!
وفي أثناء عرض مواضع القوة والعمق في هذا الدين ـ وهي ظاهريا تبدو في صورة الإنصاف الخادع والثناء المخدر ـ يقصد المؤلف قومه من أهل الكتاب ؛ لينبههم إلى خطورة هذا الدين ، وإلى أسرار قوته ؛ ويسير أمام الأجهزة المدمرة بهذا الضوء الكشاف ، ليسددوا ضرباتهم على الهدف. وليعرفوا هذا الدين كما يعرفون أبناءهم!
إن أسرار هذا القرآن ستظل تتكشف لأصحابه ؛ جديدة دائما ؛ كلما عاشوا في ظلاله ؛ وهم يخوضون معركة العقيدة ؛ ويتدبرون بوعي أحداث التاريخ ؛ ويطالعون بوعي أحداث الحاضر. ويرون بنور الله. الذي يكشف الحق ، وينير الطريق ..
* * *
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ؟ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ. وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا : أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ؟ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا : وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ. انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ، وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) ..
هذا استطراد في مواجهة المشركين بحقيقة ما يزاولونه ، ووصف موقفهم وعملهم في تقدير الله سبحانه .. مواجهة تبدأ باستفهام تقريري لظلمهم بافتراء الكذب على الله ؛ وذلك فيما كانوا يدعونه من أنهم على دينه الذي جاء به إبراهيم عليهالسلام ؛ ومن زعمهم أن ما يحلونه وما يحرمونه من الأنعام والمطاعم والشعائر ـ كالذي سيجيء في آخر السورة مشفوعا بقوله تعالى : «بزعمهم» ـ هو من أمر الله .. وليس من أمره. وذلك كالذي يزعمه بعض من يدعون اليوم أنهم على دين الله الذي جاء به محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ويقولون عن أنفسهم إنهم «مسلمون»! وهو من الكذب المفترى على الله. ذلك أنهم يصدرون أحكاما وينشئون أوضاعا ، ويبتدعون قيما من عند أنفسهم يغتصبون فيها سلطان الله ويدعونه لأنفسهم ، ويزعمون أنها هي دين الله ؛ ويزعم لهم بعض من باعوا دينهم ليشتروا به مثوى في دركات الجحيم ، أنه هو دين الله! .. وباستنكار تكذيبهم كذلك بآيات الله ، التي جاءهم بها النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فردوها وعارضوها وجحدوها. وقالوا : إنها ليست من عند الله. بينما هم يزعمون أن ما يزاولونه في جاهليتهم هو الذي من عند الله! وذلك كالذي يحدث من أهل الجاهلية اليوم .. حذوك النعل بالنعل ..
يواجههم باستنكار هذا كله ؛ ووصفه بأنه أظلم الظلم :
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ!) ..