بآية. ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ، فلا تكونن من الجاهلين. إنما يستجيب الذين يسمعون ، والموتى يبعثهم الله ، ثم إليه يرجعون» ..
وهكذا يمضي سياق السورة موجة في إثر موجة على هذا النسق الذي عرضنا منه نماذج ، لعلها تصور طبيعة السورة ، كما تصور موضوعها .. وهي تبلغ في بعض موجاتها ذروة أعلى من ذرى هذه الموجات التي استعرضناها ؛ كما أن تدفقها في بعض المسالك أشد جيشانا وأعلى إيقاعا .. ولكننا لا نملك أن نستعرض السورة كلها في هذا التعريف المجمل ، وسيأتي شيء من ذلك في الفقرة التالية ..
* * *
ولقد سبق القول بأن هذه السورة تعالج موضوعها الأساسي بصورة فريدة ، إذ أنها في كل لمحة منها وفي كل موقف وفي كل مشهد ، تبلغ حد «الروعة الباهرة» التي تبده النفس وتشده الحس ، وتبهر النفس وهو يلاحق مشاهدها وإيقاعاتها وموحياتها ..
فالآن ندع نصوصا من السورة ذاتها تصور هذه الحقيقة بأسلوبها القرآني. ذلك أن الوصف مهما بلغ ، لا يبلغ شيئا في نقل هذه الحقيقة إلى القلب البشري!
إن تقرير حقيقة الألوهية ، وتعريف الناس بربهم الحق ، وتعبيدهم له وحده ، هو الموضوع الأساسي للسورة. فلنسمع إذن تقرير السياق القرآني لهذه الحقيقة في مواقف منه شتى :
* في موقف الإشهاد والمفاصلة ، حيث تتجلى تلك الحقيقة في القلب المؤمن بها ؛ وحيث يواجه بها المخالفين ، ويصدع بها في قوة وفي يقين :
(قُلْ : أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ! قُلْ : إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ، وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قُلْ : إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ، وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ. قُلْ : أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً؟ قُلِ : اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ، وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ. أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى؟ قُلْ : لا أَشْهَدُ. قُلْ : إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ ، وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) ..
* وفي موقف التهديد ، حيث يتجلى سلطان الله محيطا بالعباد ؛ وتتعرى أمامه الفطرة ويسقط عنها الركام ، وتتجه إلى ربها الحق وحده وتنسى الآلهة الزائفة ، أمام الهول ، وأمام مصارع المكذبين :
(قُلْ : أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ؟ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ ـ إِنْ شاءَ ـ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ. وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ. فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا! وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ ، حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً ، فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ. فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ : قُلْ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ ، مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ؟ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ، ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ. قُلْ : أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً؟ هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ؟) ..
* وفي موقف التعريف بإحاطة الله بالغيوب والأسرار ، والأنفاس والأعمار ، مع القدرة والقهر والسيطرة في البر والبحر ، والنهار والليل ، والدنيا والآخرة ، والحياة والممات :