وشهواتهم وقيمهم ؛ وأما من يستمد قوته وعزته من قوة الله وعزته ، فما يبالي ما يقول الناس وما يفعلون. كائنا هؤلاء الناس ما كانوا ؛ وكائنا واقع هؤلاء الناس ما كان ، وكائنة «حضارة» هؤلاء الناس وعلمهم وثقافتهم ما تكون!
إننا نحسب حسابا لما يقول الناس ؛ ولما يفعل الناس ؛ ولما يملك الناس ؛ ولما يصطلح عليه الناس ؛ ولما يتخذه الناس في واقع حياتهم من قيم واعتبارات وموازين .. لأننا نغفل أو نسهو عن الأصل الذي يجب أن نرجع إليه في الوزن والقياس والتقويم .. إنه منهج الله وشريعته وحكمه .. فهو وحده الحق وكل ما خالفه فهو باطل ؛ ولو كان عرف ملايين الملايين ، ولو أقرته الأجيال في عشرات القرون!
إنه ليست قيمة أي وضع ، أو أي عرف ، أو أي تقليد ، أو أية قيمة .. أنه موجود ؛ وأنه واقع ؛ وأن ملايين البشر يعتنقونه ، ويعيشون به ، ويتخذونه قاعدة حياتهم .. فهذا ميزان لا يعترف به التصور الإسلامي. إنما قيمة أي وضع ، وأي عرف ، وأي تقليد ، وأية قيمة ، أن يكون لها أصل في منهج الله ، الذي منه ـ وحده ـ تستمد القيم والموازين ..
ومن هنا تجاهد العصبة المؤمنة في سبيل الله ولا تخاف لومة لائم .. فهذه سمة المؤمنين المختارين ..
ثم إن ذلك الاختيار من الله ، وذلك الحب المتبادل بينه وبين المختارين ، وتلك السمات التي يجعلها طابعهم وعنوانهم ، وهذا الاطمئنان إلى الله في نفوسهم ، والسير على هداه في جهادهم .. ذلك كله من فضل الله.
(ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ. وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ).
يعطي عن سعة ، ويعطي عن علم .. وما أوسع هذا العطاء ؛ الذي يختار الله له من يشاء عن علم وعن تقدير.
ويحدد الله للذين آمنوا جهة الولاء الوحيدة التي تتفق مع صفة الإيمان ؛ ويبين لهم من يتولون :
(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) ..
هكذا على وجه القصر الذي لا يدع مجالا للتمحل أو التأول ؛ ولا يترك فرصة لتمييع الحركة الإسلامية أو تمييع التصور ..
ولم يكن بد أن يكون الأمر كذلك! لأن المسألة في صميمها ـ كما قلنا ـ هي مسألة العقيدة. ومسألة الحركة بهذه العقيدة. وليكون الولاء لله خالصا ، والثقة به مطلقة ، وليكون الإسلام هو «الدين». وليكون الأمر أمر مفاصلة بين الصف المسلم وسائر الصفوف التي لا تتخذ الإسلام دينا ، ولا تجعل الإسلام منهجا للحياة. ولتكون للحركة الإسلامية جديتها ونظامها ؛ فلا يكون الولاء فيها لغير قيادة واحدة وراية واحدة. ولا يكون التناصر إلا بين العصبة المؤمنة ؛ لأنه تناصر في المنهج المستمد من العقيدة ..
ولكن حتى لا يكون الإسلام مجرد عنوان ، أو مجرد راية وشعار ، أو مجرد كلمة تقال باللسان ، أو مجرد نسب ينتقل بالوراثة ، أو مجرد وصف يلحق القاطنين في مكان! فإن السياق يذكر بعض السمات الرئيسية للذين آمنوا :
(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ ، وَهُمْ راكِعُونَ) ..
فمن صفتهم إقامة الصلاة ـ لا مجرد أداء الصلاة ـ وإقامة الصلاة تعني أداءها أداء كاملا ، تنشأ عنه آثارها التي يقررها قوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) .. والذي لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر ،