وإذا تقررت هذه البديهية ، فإنه لا يكون منطقيا مع عقيدته إذا دخل في ولاء أو تناصر للتمكين للدين في الأرض ، مع من لا يدين بالإسلام.
إن هذه القضية في الإسلام قضية اعتقادية إيمانية. كما أنها قضية تنظيمية حركية!
من ناحية أنها قضية إيمانية اعتقادية نحسب أن الأمر قد صار واضحا بهذا البيان الذي أسلفناه ، وبالرجوع إلى النصوص القرآنية القاطعة بعدم قيام ولاء بين المسلمين وأهل الكتاب.
ومن ناحية أنها قضية تنظيمية حركية الأمر واضح كذلك .. فإذا كان سعي المؤمن كله ينبغي أن يتجه إلى إقامة منهج الله في الحياة ـ وهو المنهج الذي ينص عليه الإسلام كما جاء به محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بكل تفصيلات وجوانب هذا المنهج ، وهي تشمل كل نشاط الإنسان في الحياة .. فكيف يمكن إذن أن يتعاون المسلم في هذا السعي مع من لا يؤمن بالإسلام دينا ومنهجا ونظاما وشريعة ؛ ومن يتجه في سعيه إلى أهداف أخرى ـ إن لم تكن معادية للإسلام وأهدافه فهي على الأقل ليست أهداف الإسلام ـ إذ الإسلام لا يعترف بهدف ولا عمل لا يقوم على أساس العقيدة مهما بدا في ذاته صالحا ـ «و (الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) ..
والإسلام يكلف المسلم أن يخلص سعيه كله للإسلام .. ولا يتصور إمكان انفصال أية جزئية في السعي اليومي في حياة المسلم عن الإسلام .. لا يتصور إمكان هذا إلا من لا يعرف طبيعة الإسلام وطبيعة المنهج الإسلامي .. ولا يتصور أن هناك جوانب في الحياة خارجة عن هذا المنهج يمكن التعاون فيها مع من يعادي الإسلام ، أو لا يرضى من المسلم إلا أن يترك إسلامه ، كما نص الله في كتابه على ما يطلبه اليهود والنصارى من المسلم ليرضوا عنه! .. إن هناك استحالة اعتقادية كما أن هناك استحالة عملية على السواء ..
ولقد كان اعتذار عبد الله بن أبي بن سلول ، وهو من الذين في قلوبهم مرض ، عن مسارعته واجتهاده في الولاء ليهود ، والاستمساك بحلفه معها ، هي قوله : إنني رجل أخشى الدوائر! إني أخشى أن تدور علينا الدوائر وأن تصيبنا الشدة ، وأن تنزل بنا الضائقة .. وهذه الحجة هي علامة مرض القلب وضعف الإيمان .. فالولي هو الله ؛ والناصر هو الله ؛ والاستنصار بغيره ضلالة ، كما أنه عبث لا ثمرة له .. ولكن حجة ابن سلول ، هي حجة كل بن سلول على مدار الزمان ؛ وتصوره هو تصور كل منافق مريض القلب ، لا يدرك حقيقة الإيمان .. وكذلك نفر قلب عبادة بن الصامت من ولاء يهود بعد ما بدا منهم ما بدا. لأنه قلب مؤمن فخلع ولاء اليهود وقذف به ، حيث تلقاه وضم عليه صدره وعض عليه بالنواجذ عبد الله بن أبي بن سلول! إنهما نهجان مختلفان ، ناشئان عن تصورين مختلفين ، وعن شعورين متباينين ، ومثل هذا الاختلاف قائم على مدار الزمان بين قلب مؤمن وقلب لا يعرف الإيمان!
ويهدد القرآن المستنصرين بأعداء دينهم ، المتألبين عليهم ، المنافقين الذين لا يخلصون لله اعتقادهم ولا ولاءهم ولا اعتمادهم .. يهددهم برجاء الفتح أو أمر الله الذي يفصل في الموقف ؛ أو يكشف المستور من النفاق.
(فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ، فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ).
وعندئذ ـ عند الفتح ـ سواء كان هو فتح مكة أو كان الفتح بمعنى الفصل أو عند مجيء أمر الله ـ يندم أولئك الذين في قلوبهم مرض ، على المسارعة والاجتهاد في ولاء اليهود والنصارى وعلى النفاق الذي انكشف أمره ، وعندئذ يعجب الذين آمنوا من حال المنافقين ، ويستنكرون ما كانوا فيه من النفاق وما صاروا إليه من الخسران!