قائمة الکتاب

    إعدادات

    في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
    بسم الله الرحمن الرحيم

    في ظلال القرآن [ ج ٢ ]

    في ظلال القرآن [ ج ٢ ]

    264/560
    *

    (قالَ : لَأَقْتُلَنَّكَ) ..

    وهكذا يبدو هذا القول ـ بهذا التأكيد المنبئ عن الإصرار ـ نابيا مثيرا للاستنكار لأنه ينبعث من غير موجب ؛ اللهم إلا ذلك الشعور الخبيث المنكر. شعور الحسد الأعمى ؛ الذي لا يعمر نفسا طيبة ..

    وهكذا نجدنا منذ اللحظة الأولى ضد الاعتداء : بإيحاء الآية التي لم تكمل من السياق ..

    ولكن السياق يمضي يزيد هذا الاعتداء نكارة وبشاعة ؛ بتصوير استجابة النموذج الآخر ؛ ووداعته وطيبة قلبه :

    (قالَ : إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).

    هكذا في براءة ترد الأمر إلى وضعه وأصله ؛ وفي إيمان يدرك أسباب القبول ؛ وفي توجيه رفيق للمعتدي أن يتقي الله ؛ وهداية له إلى الطريق الذي يؤدي إلى القبول ؛ وتعريض لطيف به لا يصرح بما يخدشه أو يستثيره ..

    ثم يمضي الأخ المؤمن التقي الوديع المسالم يكسر من شرة الشر الهائج في نفس أخيه الشرير :

    (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ، إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) ..

    وهكذا يرتسم نموذج من الوداعة والسلام والتقوى ؛ في أشد المواقف استجاشة للضمير الإنساني ؛ وحماسة للمعتدى عليه ضد المعتدي ؛ وإعجابا بهدوئه واطمئنانه أمام نذر الاعتداء ؛ وتقوى قلبه وخوفه من رب العالمين.

    ولقد كان في هذا القول اللين ما يفثأ الحقد ؛ ويهدّىء الحسد ، ويسكن الشر ، ويمسح على الأعصاب المهتاجة ؛ ويرد صاحبها إلى حنان الأخوة ، وبشاشة الإيمان ، وحساسية التقوى.

    أجل. لقد كان في ذلك كفاية .. ولكن الأخ الصالح يضيف إليه النذير والتحذير :

    (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ ، وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) ..

    إذا أنت مددت يدك إلي لتقتلني ، فليس من شأني ولا من طبعي أن أفعل هذه الفعلة بالنسبة لك. فهذا الخاطر ـ خاطر القتل ـ لا يدور بنفسي أصلا ، ولا يتجه إليه فكري إطلاقا .. خوفا من الله رب العالمين .. لا عجزا عن إتيانه .. وأنا تاركك تحمل إثم قتلي وتضيفه إلى إثمك الذي جعل الله لا يتقبل منك قربانك ؛ فيكون إثمك مضاعفا ، وعذابك مضاعفا .. (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) ..

    وبذلك صور له إشفاقه هو من جريمة القتل ، ليثنيه عما تراوده به نفسه ، وليخجله من هذا الذي تحدثه به نفسه تجاه أخ مسالم وديع تقي.

    وعرض له وزر جريمة القتل لينفره منه ، ويزين له الخلاص من الإثم المضاعف ، بالخوف من الله رب العالمين ؛ وبلغ من هذا وذلك أقصى ما يبلغه إنسان في صرف الشر ودوافعه عن قلب إنسان.

    ولكن النموذج الشرير لا تكمل صورته ، حتى نعلم كيف كانت استجابته :

    (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ ، فَقَتَلَهُ ، فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) ..

    بعد هذا كله. بعد التذكير والعظة والمسالمة والتحذير. بعد هذا كله اندفعت النفس الشريرة ، فوقعت الجريمة. وقعت وقد ذللت له نفسه كل عقبة ، وطوعت له كل مانع .. طوعت له نفسه القتل .. وقتل من؟ قتل أخيه .. وحق عليه النذير :

    (فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) ..