وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٢١) وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً)(٢٣)
مضى الشوط الأول من السورة ، يعالج تنظيم حياة المجتمع المسلم واستنقاذه من رواسب الجاهلية بإقامة الضمانات لليتامى وأموالهم وأنفسهم في محيط الأسرة ، وفي محيط الجماعة ، يعالج نظام التوارث في المحيط العائلي ، ويرد تلك الضمانات وهذا النظام إلى مصدر هما الأساسي : وهو ألوهية الله للبشر ، وربوبيته للناس ، وإرادته من خلقهم جميعا من نفس واحدة ، وإقامة المجتمع الإنساني على قاعدة الأسرة ، وعلى أساس التكافل. وردهم في كل شؤون حياتهم إلى حدود الله وعلمه وحكمته ، ومجازاتهم على أساس طاعته في هذا كله أو معصيته.
فأما هذا الشوط الثاني فيمضي في تنظيم حياة المجتمع المسلم ، واستنقاذه من رواسب الجاهلية ، بتطهير هذا المجتمع من الفاحشة ، وعزل العناصر الملوثة التي تقارفها ، من الرجال والنساء ، مع فتح باب التوبة لمن يشاء من هذه العناصر أن يتوب ويتطهر ، ويرجع إلى المجتمع نظيفا عفيفا .. ثم باستنقاذ المرأة مما كانت ترزح تحته في الجاهلية من خسف وهوان ، ومن عسف وظلم ، حتى تقوم الأسرة على أساس سليم ركين ، ومن ثم يقوم المجتمع ـ وقاعدته الأسرة ـ على أرض صلبة وفي جو نظيف عفيف .. وأخيرا ينظم جانبا من حياة الأسرة ، ببيان المحرمات في الشريعة الإسلامية وبيان ما وراءهن من الحلال.
وبهذا البيان ينتهي هذا الشوط ، وينتهي هذا الجزء كذلك.
* * *
١٥ ـ (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ ، فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ. فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ ، حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ، أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً. وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما. فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما. إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً) ..
إن الإسلام يمضي هنا على طريقه ، في تطهير المجتمع وتنظيفه ؛ وقد اختار ـ في أول الأمر ـ عزل الفاحشات من النسوة ، وإبعادهن عن المجتمع ، متى ثبت عليهن ارتكاب الفاحشة. وإيذاء الرجال ، الذين يأتون الفاحشة الشاذة ، ويعملون عمل قوم لوط. ولم يحدد نوع الإيذاء ومداه. ثم اختار ـ فيما بعد ـ عقاب هؤلاء النسوة