بالارتكان إلى شريعة الله. لأن هذا الحق هو مقتضى الألوهية والربوبية. ومظهرها البارز المحدد لخصائصها المميزة.
وأما إن تكن الألوهية أو الربوبية لأحد من خلق الله ـ شركة مع الله أو أصالة من دونه! ـ فهي الدينونة من العباد لغير الله. وهي العبودية من الناس لغير الله. وهي الطاعة من البشر لغير الله. وذلك بالاتباع للمناهج والأنظمة والشرائع والقيم والموازين ، التي يضعها ناس من البشر ، لا يستندون في وضعها إلى كتاب الله وسلطانه ؛ إنما يستندون إلى أسناد أخرى ، يستمدون منها السلطان .. ومن ثم فلا دين ، ولا إيمان ، ولا إسلام. إنما هو الشرك والكفر والفسوق والعصيان ..
هذا هو الأمر في جملته وفي حقيقته .. ومن ثم يستوي أن يكون الخروج على حدود الله في أمر واحد ، أو في الشريعة كلها .. لأن الأمر الواحد هو الدين ـ على ذلك المعنى ـ والشريعة كلها هي الدين .. فالعبرة بالقاعدة التي تستند إليها أوضاع الناس .. أهي إخلاص الألوهية والربوبية لله ـ بكل خصائصها ـ أو إشراك أحد من خلقه معه. أو استقلال خلقه دونه بالألوهية والربوبية بعضهم على بعض. مهما ادعوا لأنفسهم من الدخول في الدين! ومهما رددت ألسنتهم ـ دون واقعهم ـ أنهم مسلمون!
هذه هي الحقيقة الكبيرة ، التي يشير إليها هذا التعقيب ، الذي يربط بين توزيع أنصبة من التركة على الورثة ، وبين طاعة الله ورسوله ، أو معصية الله ورسوله. وبين جنة تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ؛ ونار خالدة وعذاب مهين!
وهذه هي الحقيقة الكبيرة ، التي تتكئ عليها نصوص كثيرة ، في هذه السورة ، وتعرضها عرضا صريحا حاسما ، لا يقبل المماحكة ، ولا يقبل التأويل.
وهذه هي الحقيقة التي ينبغي أن يتبينها الذين ينسبون أنفسهم إلى الإسلام في هذه الأرض ليروا أين هم من هذا الإسلام ، وأين حياتهم من هذا الدين!
* * *
ثم لا بد كذلك من إضافة كلمة مجملة عن نظام الإرث في الإسلام ؛ بعد ما ذكرناه عن هذا النظام عند ما تعرضنا للآية التي تقرر المبدأ العام : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) .. وما ذكرناه كذلك عن مبدأ : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ..
إن هذا النظام في التوريث هو النظام العادل المتناسق مع الفطرة ابتداء ؛ ومع واقعيات الحياة العائلية والإنسانية في كل حال. يبدو هذا واضحا حين نوازنه بأي نظام آخر ، عرفته البشرية في جاهليتها القديمة ، أو جاهليتها الحديثة ، في أية بقعة من بقاع الأرض على الإطلاق.
إنه نظام يراعي معنى التكافل العائلي كاملا ، ويوزع الأنصبة على قدر واجب كل فرد في الأسرة في هذا التكافل. فعصبة الميت هم أولى من يرثه ـ بعد أصحاب الفروض كالوالد والوالدة ـ لأنهم هم كذلك أقرب من يتكفل به ، ومن يؤدي عنه في الديات والمغارم. فهو نظام متناسق ، ومتكامل.
وهو نظام يراعي أصل تكوين الأسرة البشرية من نفس واحدة. فلا يحرم امرأة ولا صغيرا لمجرد أنه امرأة أو صغير. لأنه مع رعايته للمصالح العملية ـ كما بينا في الفقرة الأولى ـ يرعى كذلك مبدأ الوحدة في النفس الواحدة. فلا يميز جنسا على جنس إلا بقدر أعبائه في التكافل العائلي والاجتماعي.