ومشكلاتها الحقيقية ..
وعندئذ نجد أنفسنا ـ مرة أخرى ـ أمام احتمال من ثلاثة احتمالات :
١ ـ أن نكبت الرجل ونصده عن مزاولة نشاطه الفطري بقوة التشريع وقوة السلطان! ونقول له : عيب يا رجل! إن هذا لا يليق ، ولا يتفق مع حق المرأة التي عندك ولا مع كرامتها!
٢ ـ أن نطلق هذا الرجل يخادن ويسافح من يشاء من النساء!
٣ ـ أن نبيح لهذا الرجل التعدد ـ وفق ضرورات الحال ـ ونتوقى طلاق الزوجة الأولى ..
الاحتمال الأول ضد الفطرة ، وفوق الطاقة ، وضد احتمال الرجل العصبي والنفسي. وثمرته القريبة ـ إذا نحن أكرهناه بحكم التشريع وقوة السلطان ـ هي كراهية الحياة الزوجية التي تكلفه هذا العنت ، ومعاناة جحيم هذه الحياة .. وهذه ما يكرهه الإسلام ، الذي يجعل من البيت سكنا ، ومن الزوجة أنسا ولباسا.
والاحتمال الثاني ضد اتجاه الإسلام الخلقي ، وضد منهجه في ترقية الحياة البشرية ، ورفعها وتطهيرها وتزكيتها ، كي تصبح لائقة بالإنسان الذي كرمه الله على الحيوان!
والاحتمال الثالث هو وحده الذي يلبي ضرورات الفطرة الواقعية ، ويلبي منهج الإسلام الخلقي ، ويحتفظ للزوجة الأولى برعاية الزوجية ، ويحقق رغبة الزوجين في الإبقاء على عشرتهما وعلى ذكرياتهما ، وييسر على الإنسان الخطو الصاعد في رفق ويسر وواقعية.
وشيء كهذا يقع في حالة عقم الزوجة ، مع رغبة الزوج الفطرية في النسل. حيث يكون أمامه طريقان لا ثالث لهما :
١ ـ أن يطلقها ليستبدل بها زوجة أخرى تلبي رغبة الإنسان الفطرية في النسل.
٢ ـ أو أن يتزوج بأخرى ، ويبقي على عشرته مع الزوجة الأولى.
وقد يهذر قوم من المتحذلقين ـ ومن المتحذلقات ـ بإيثار الطريق الأول. ولكنّ تسعا وتسعين زوجة ـ على الأقل ـ من كل مائة سيتوجهن باللعنة إلى من يشير على الزوج بهذا الطريق! الطريق الذي يحطم عليهن بيوتهن بلا عوض منظور ـ فقلما تجد العقيم وقد تبين عقمها راغبا في الزواج ـ وكثيرا ما تجد الزوجة العاقر أنسا واسترواحا في الأطفال الصغار ، تجيء بهم الزوجة الأخرى من زوجها ، فيملأون عليهم الدار حركة وبهجة أيا كان ابتئاسها لحرمانها الخاص.
وهكذا حيثما ذهبنا نتأمل الحياة الواقعية بملابساتها العملية ، التي لا تصغي للحذلقة ، ولا تستجيب للهذر ، ولا تستروح للهزل السخيف والتميع المنحل في مواضع الجد الصارم .. وجدنا مظاهر الحكمة العلوية ، في سن هذه الرخصة ، مقيدة بذلك القيد :
(فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ـ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ـ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) فالرخصة تلبي واقع الفطرة ، وواقع الحياة ؛ وتحمي المجتمع من الجنوح ـ تحت ضغط الضرورات الفطرية والواقعية المتنوعة ـ إلى الانحلال أو الملال .. والقيد يحمي الحياة الزوجية من الفوضى والاختلال ، ويحمي الزوجة من الجور والظلم ؛ ويحمي كرامة المرأة أن تتعرض للمهانة بدون ضرورة ملجئة واحتياط كامل. ويضمن العدل الذي تحتمل معه الضرورة ومقتضياتها المريرة.
إن أحدا يدرك روح الإسلام واتجاهه ، لا يقول : إن التعدد مطلوب لذاته ، مستحب بلا مبرر من ضرورة