من حياتهم ، استبدت ببعضهم خرافات وأوهام مضحكة ؛ أو اضطربت عقولهم
وأعصابهم وامتلأت بالعقد والانحرافات!
وفضلا على ذلك
كله فإن الإيمان بحقيقة الملائكة ـ شأنه شأن الإيمان بالحقائق الغيبية المستيقنة
التي جاءت من عند الله ـ يوسع آفاق الشعور الإنساني بالوجود ، فلا تنكمش صورة
الكون في تصور المؤمن حتى تقتصر على ما تدركه حواسه ـ وهو ضئيل ـ كما أنه يؤنس
قلبه بهذه الأرواح المؤمنة من حوله ؛ تشاركه إيمانه بربه ، وتستغفر له ، وتكون في
عونه على الخير ـ بإذن الله ـ وهو شعور لطيف ندي مؤنس ولا شك .. ثم هنالك المعرفة
: المعرفة بهذه الحقيقة وهي في ذاتها فضل يمنحه الله للمؤمنين به وبملائكته ..
(وَكُتُبِهِ
وَرُسُلِهِ) .. (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ
أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ).
والإيمان بكتب
الله ورسله بدون تفرقة بين أحد من رسله هو المقتضى الطبيعي الذي ينبثق من الإيمان
بالله في الصورة التي يرسمها الإسلام. فالإيمان بالله يقتضي الاعتقاد بصحة كل ما
جاء من عند الله ، وصدق كل الرسل الذين يبعثهم الله ، ووحدة الأصل الذي تقوم عليه
رسالتهم ، وتتضمنه الكتب التي نزلت عليهم .. ومن ثم لا تقوم التفرقة بين الرسل في
ضمير المسلم. فكلهم جاء من عند الله بالإسلام في صورة من صوره المناسبة لحال القوم
الذين أرسل إليهم ؛ حتى انتهى الأمر إلى خاتم النبيين ـ محمد صلىاللهعليهوسلم ـ فجاء بالصورة الأخيرة للدين الواحد ، لدعوة البشرية
كلها إلى يوم القيامة.
وهكذا تتلقى الأمة
المسلمة تراث الرسالة كله ؛ وتقوم على دين الله في الأرض ، وهي الوارثة له كله ؛
ويشعر المسلمون ـ من ثم ـ بضخامة دورهم في هذه الأرض إلى يوم القيامة. فهم الحراس
على أعز رصيد عرفته البشرية في تاريخها الطويل. وهم المختارون لحمل راية الله ـ وراية
الله وحدها ـ في الأرض ، يواجهون بها رايات الجاهلية المختلفة الشارات ، من قومية
ووطنية وجنسية وعنصرية وصهيونية وصليبية واستعمارية وإلحادية .. إلى آخر شارات
الجاهلية التي يرفعها الجاهليون في الأرض ، على اختلاف الأسماء والمصطلحات واختلاف
الزمان والمكان.
إن رصيد
الإيمان الذي تقوم الأمة المسلمة حارسة عليه في الأرض ، ووراثة له منذ أقدم
الرسالات ، هو أكرم رصيد وأقومه في حياة البشرية. إنه رصيد من الهدى والنور ، ومن
الثقة والطمأنينة ، ومن الرضى والسعادة ، ومن المعرفة واليقين .. وما يخلو قلب
بشري من هذا الرصيد حتى يجتاحه القلق والظلام ، وتعمره الوساوس والشكوك ، ويستبد
به الأسى والشقاء. ثم يروح بتخبط في ظلماء طاخية ، لا يعرف أين يضع قدميه في التيه
الكئيب!
وصرخات القلوب
التي حرمت هذا الزاد ، وحرمت هذا الأنس ، وحرمت هذا النور ، صرخات موجعة في جميع
العصور .. هذا إذا كان في هذه القلوب حساسية وحيوية ورغبة في
المعرفة ولهفة على اليقين. فأما القلوب البليدة الميتة الجاسية الغليظة ، فقد لا
تحس هذه اللهفة ولا يؤرقها الشوق إلى المعرفة .. ومن ثم تمضي
__________________