إني قد أعطيتها أفضل مالي : حديقة لي فإن ردت عليّ حديقتي. قال : ما تقولين؟ قالت : نعم وإن شاء زدته. قال : ففرق بينهما ..
ومجموعة هذه الروايات تصور الحالة النفسية التي قبلها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وواجهها مواجهة من يدرك أنها حالة قاهزة لا جدوى من استنكارها وقسر المرأة على العشرة ؛ وأن لا خير في عشرة هذه المشاعر تسودها. فاختار لها الحل من المنهج الرباني الذي يواجه الفطرة البشرية مواجهة صريحة عملية واقعية ؛ ويعامل النفس الإنسانية معاملة المدرك لما يعتمل فيها من مشاعر حقيقية.
ولما كان مرد الجد أو العبث ، والصدق أو الاحتيال ، في هذه الأحوال .. هو تقوى الله ، وخوف عقابه. جاء التعقيب يحذر من اعتداء حدود الله :
(تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها. وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ..
* * *
ونقف هنا وقفة عابرة أمام اختلاف لطيف في تعبيرين قرآنيين في معنى واحد ، حسب اختلاف الملابستين : في مناسبة سبقت في هذه السورة عند الحديث عن الصوم. ورد تعقيب : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها) .. وهنا في هذه المناسبة ورد تعقيب : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها) ..
في الأولى تحذير من القرب. وفي الثانية تحذير من الاعتداء .. فلما ذا كان الاختلاف؟
في المناسبة الأولى كان الحديث عن محظورات مشتهاة :
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ .. هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ .. عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ ، فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ ، فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ. وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ، وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ .. تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها) ..
والمحظورات المشتهاة شديدة الجاذبية. فمن الخير أن يكون التحذير من مجرد الاقتراب من حدود الله فيها ، اتقاء لضعف الإرادة أمام جاذبيتها إذا اقترب الإنسان من مجالها ووقع في نطاق حبائلها!
أما هنا فالمجال مجال مكروهات واصطدامات وخلافات. فالخشية هنا هي الخشية من تعدي الحدود في دفعة من دفعات الخلاف ؛ وتجاوزها وعدم الوقوف عندها. فجاء التحذير من التعدي لا من المقاربة. بسبب اختلاف المناسبة .. وهي دقة في التعبير عن المقتضيات المختلفة عجيبة!
* * *
٢٣٠ ـ ثم نمضي مع السياق في أحكام الطلاق :
(فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ. فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا. إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ. وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ..
إن الطلقة الثالثة ـ كما تبين ـ دليل على فساد أصيل في هذه الحياة لا سبيل إلى إصلاحه من قريب ـ إن كان الزوج جادا عامدا في الطلاق ـ وفي هذه الحالة يحسن أن ينصرف كلاهما إلى التماس شريك جديد. فأما إن كانت تلك الطلقات عبثا أو تسرعا أو رعونة ، فالأمر إذن يستوجب وضع حد للعبث بهذا الحق ، الذي قرر ليكون صمام أمن ، وليكون علاجا اضطراريا لعلة مستعصية ، لا ليكون موضعا للعبث والتسرع والسفاهة.