يلزم المحال أيضا على تقدير المطابقة للواقع ، من جهة لزوم اجتماع المثلين ، وكون الموضوع الواحد موردا لوجوبين مستقلين ، وأيضا يلزم الإلقاء في المفسدة ، فيما إذا أدت الأمارة إلى إباحة ما هو محرم في الواقع ، وتفويت المصلحة فيما إذا أدت إلى جواز ترك ما هو واجب.
هذا كله على تقدير القول بأن لكل واقعة حكما مجعولا في نفس الأمر ، سواء كان المكلف عالما به أو جاهلا ، وسواء ادى إليه الطريق أو تخلف عنه ، كما هو مذهب أهل الصواب. وأما على التصويب ، فلا يرد ما ذكرنا من الإشكال ، إلا أنه خارج عن الصواب.
هذا ، والجواب عنه وجوه : ـ
(الأول) ما أفاده سيدنا الأستاذ طاب ثراه : من عدم المنافاة بين الحكمين إذا كان الملحوظ في موضوع الآخر الشك في الأول. وتوضيحه أنه لا إشكال في أن الأحكام لا تتعلق ابتداء بالموضوعات الخارجية ، بل انما تتعلق بالمفاهيم المتصورة في الذهن ، لكن لا من حيث كونها موجودة في الذهن ، بل من حيث انها حاكية عن الخارج ، فالشيء ما لم يتصور في الذهن لا يتصف بالمحبوبية والمبغوضية. وهذا واضح.
ثم إن المفهوم المتصور تارة يكون مطلوبا على نحو الإطلاق ، وأخرى على نحو التقييد. وعلى الثاني فقد يكون لعدم المقتضى في ذلك المقيد ، وقد يكون لوجود المانع (مثلا) قد يكون عتق الرقبة مطلوبا على سبيل الإطلاق ، وقد يكون الغرض في عتق الرقبة المؤمنة خاصة ، وقد يكون في المطلق ، إلا أن عتق الرقبة الكافرة مناف لغرضه الآخر ، ولكونه منافيا لذلك الغرض ، لا بد ان يقيد العتق المطلوب بما إذا تحقق في الرقبة المؤمنة ، فتقييد المطلوب في القسم الأخير إنما هو من جهة الكسر والانكسار ، لا لتضييق دائرة المقتضى ، وذلك موقوف على تصور العنوان