أفاده قدسسره (١٤٢) لأن الواقع على هذا لا يتغير عما هو عليه ، سواء كانت الأمارة مطابقة له أم لا ، بل المصلحة في الالتزام والتدين بما دلت عليه. ولما كانت الأمارتان في محل الفرض متعارضتين ، ولم يمكن الالتزام بمؤدى كلتيهما ، وجب ذلك في إحداهما على سبيل التخيير ، لعدم الأهمية ، كما هو المفروض.
فان قلت ليس الأمر كذلك على الإطلاق في هذا الفرض أيضا ، لجواز التدين بمدلول الأمارتين في بعض فروض التعارض ، كما إذا دل دليل على وجوب الظهر ، والآخر على وجوب الجمعة ، مع العلم بعدم كليهما ، فان الدليلين متعارضان ، لعدم جواز صدق كليهما ، مع العلم المفروض ، مع أنه يمكن الالتزام بمدلول كلا الدليلين. وحينئذ لا سبيل إلى التخيير ، لأنه متفرع على عدم إمكان الجمع. والمفروض خلافه.
قلت قد حقق في محله أن اعتبار الأمارات ليس مخصوصا بمداليلها المطابقية ، بل يؤخذ بها وبما يلازمها ، سواء كانت الملازمة بين الشيء ومداليلها بحسب الواقع أم لا ، بل كانت بملاحظة علم المكلف. ولا يفرق في ذلك بين القول باعتبارها من باب الطريقية والسببية ، كما هو واضح.
وحينئذ نقول ـ بعد العلم بانحصار الواجب في أحد الفعلين إما الظهر
______________________________________________________
(١٤٢) لا يخفى أنه إن قيل بعدم تغيّر الواقع ، ووجود المصلحة في الالتزام بكلا الطرفين ، فلازم ذلك عدم التزاحم ، مع العلم بالواقع ، للعلم بوجود مصلحتين في أحد الطرفين ، ومصلحة واحدة في الآخر. ومعلوم أن العقل يحكم بالعمل بما هو مطابق للواقع ، لكن لما كان مجهولا يحكم بالتخيير ، فيصير نظير المتعارضين ، مع العلم بالواقع لا المتزاحمين.
نعم لو قيل باختصاص المخالف بالمصلحة ، مع بقاء الواقع على ما هو عليه ، فالامر كما أفاده ، لأنه مع العلم بالواقع إجمالا يعلم بوجود مصلحة في الأخذ بكل منهما : إما مصلحة الواقع ، وإما مصلحة العمل بالطريق ، وحيث لا يمكن الجمع ولا ترجيح ، فيحكم العقل بالتخيير.