أقول ـ بعد تسليم كون أحد السندين مقطوع الاعتبار ـ فالوجه في تقديم سند الآخر على ظاهر ما فرض القطع باعتباره ما قلناه في تقديم سند الخاصّ على ظهور العام ، مضافا إلى منع حجية أحد السندين ، لأن حجيته في المدلول التعييني ترجيح بلا مرجح ، وحجية الأخذ بالمبهم لا معنى لها ، فيما إذا لم يكن هناك ثالث ، كما إذا قام الخبران على طرفي نقيض.
فان قلت : ان أحد الخبرين حجة بالإجماع ، لعدم القول بجواز طرحهما بين العلماء قدسسرهم ، لأنهم بين من يجمع المدلولين ، وبين من يأخذ بالترجيح لو كان ، وإلّا فالتخيير ، وبين من يحكم بالتخيير مطلقا.
قلت مدارك الأقوال المذكورة معلومة ، فمن اختار أحد المدارك المذكورة يلزمه حكمه ، فلم يبق له مجال للقول بحجية أحد الخبرين على سبيل الإبهام ، وتعارض ظهوره مع سند الآخر. ومن لم يختر أحد المدارك المذكورة ، فلا دليل له على حجية أحد الخبرين في مقام التعارض ، لا تعيينا ولا تخييرا ، ولا على سبيل الإبهام.
فان قلت إذا منعت حجية الواحد على سبيل الإبهام ، فبم يحكم بانتفاء الثالث فيما إذا كان لهما ثالث؟
قلت نفى الثالث لا يتوقف على حجية أحد الخبرين في المدلول المطابقي ، إذ كون دلالة اللفظ على اللازم ـ متفرعة على دلالته على الملزوم ـ لا يلازم كون حجية حكاية اللفظ عن اللازم متفرعة على حجية حكايته عن الملزوم ، إذ هما فردان من الكشف الحاصل من نقل الثقة ، فيشملهما دليل الاعتبار في عرض واحد ، ولو منع أحدهما مانع ليس في الآخر ، فلا وجه لسقوط دليل الاعتبار بالنسبة إلى ما ليس له مانع. (١٣٩)
______________________________________________________
(١٣٩) توضيح ذلك : ان دليل الاعتبار معناه حقيقة جعل إيجاب العمل على طبق مضمون الأمارة كالواقع ، فيجب ترتيب جميع آثار الواقع من المؤدّى ولوازمه في عرض واحد ، لأن جعل الحكم للملزوم ملازم لجعله للازم ، ولا ينفك عنه وجودا