استصحاب التدريجيات
الأمر الرابع أن المستفاد من اخبار الباب أن مجرى الاستصحاب هو ما شك في تحققه لاحقا ، مع القطع بتحققه سابقا ، فحينئذ لا فرق بين ما يكون قارا بالذات وما يكون تدريجيا ، كالزمان والزمانيات ، كالتكلم والحركة وأمثالهما ، ضرورة ، أنها ـ ما لم تنقطع ـ وجود واحد حقيقي ، وان كان نحو وجودها أن ينصرم شيئا فشيئا. وحينئذ فلو شك في تحقق الحركة مثلا أو نفس الزمان ، بعد ما علم بتحققه سابقا ، فقد شك في تحقق عين ما كان محققا سابقا ، فلا يحتاج في التمسك بالأخبار إلى المسامحة العرفية.
نعم لو كان محل الاستصحاب الشك في البقاء ، أمكن أن يقال : ان مثل الزمان والزمانيات خارج عن العنوان المذكور ، (١٠٥) لعدم تصور البقاء لها إلا بالمسامحة العرفية ، لكن ليس هذا العنوان في الأدلة.
وبعبارة أخرى المعتبر في الأدلة صدق نقض اليقين بالشك ، ولا تفاوت في ذلك بين التدريجيات وغيرها.
قال شيخنا المرتضى قدسسره في الأمر الثاني من الأمور التي نبه عليها في
______________________________________________________
(١٠٥) لا يخفى أن المقصود من الزمان المستصحب إن كان الجامع بين الآنات المحدودة بين الحدّين ، كالكلي في المعيّن ، صح استصحابه ـ وإن قلنا باعتبار البقاء في صدق لا تنقض ـ لأن بقاء الجامع كما مرّ منه ـ دام ظله ـ ببقاء الافراد ، لكنه لا يصدق عليه اليوم والليل مثلا ، بل الظاهر أن كل آن جزء منهما لا جزئي لهما. وإن كان المقصود استصحاب ما هو موضوع له للفظ اليوم أو النهار ، فلا يصح إلّا بما ذكره الشيخ (قدسسره) من المسامحة في وجوده وتحققه ، مع قطع النّظر عن اعتبار البقاء ، لأن وجود اليوم حقيقة لا يتحقق إلّا بعد تحقق جميع اجزائه ولو عند العرف. وأما ما يرى من إطلاق اليوم على بعض النهار فليس إلّا من باب المسامحة ، فتأمل.