و (منها) ما يكون عروضه في الذهن واتصاف المحل به فيه أيضا ، كالكلية العارضة للإنسان ، حيث أن الإنسان لا يصير متصفا بالكلية في الخارج قطعا ، فالعروض في الذهن ، لأن الكلية إنما تنتزع من الماهية المتصورة في الذهن ، واتصاف الماهية بها أيضا فيه ، لأنها لا تقبل الكلية في الخارج.
فنقول حينئذ لا إشكال في أن عروض الطلب ـ سواء كان امرا أم نهيا ـ لمتعلقه ليس من قبيل الأول ، وإلّا لزم أن لا يتعلق إلّا بعد وجود متعلقه (١٦٤) ، كما أن الحرارة والبرودة لا تتحققان الا بعد تحقق النار والماء ، فيلزم البعث على الفعل الحاصل والزجر عنه ، وهو غير معقول. ولا من قبيل الثاني ، لأن متعلق الطلب إذا وجد في الخارج مسقط للطلب ومعدم له ، ولا يعقل ان يتصف في الخارج بما هو ينعدم بسببه ، فانحصر الأمر في الثالث ، فيكون عروض الأمر والنهي لمتعلقاتهما كعروض الكلية للماهيات.
إذا عرفت ذلك فنقول : إن طبيعة الصلاة والغصب وان كانتا
______________________________________________________
شيء ، نعم له منشأ انتزاع في الخارج ، ومعلوم أن الصفة التي موطن وجودها العقل ، لا يكون عروضها الا في الذهن لكن المتصف بهذه الصفة هو الشيء الخارجي ، بخلاف الثالث ، فان الشيء المتصف بها أيضا لا وجود له إلا في الذهن.
(١٦٤) وأيضا : لا يمكن القول بأن المتعلّق هو الوجود الخارجي بنحو كان التامة ، لأنه إن أريد به تعلق الطلب به قبل تحققه ، بلا توسط لحاظه وتحقق صورته في الذهن ، فهو أيضا كالسابق في الاستحالة واستلزام تحقق العرض قبل تحقق صورة الوجود بنحو كان التامة ، أو صورة الماهية بلحاظ الوجود كذلك في الذهن ، قبل تحقق الخارج ، لكن بنحو تكون حاكية عن الخارج وغير ملتفت إليها ، فهذا عين ما قصدناه من العروض والاتّصاف في الذهن.