بعينه وعلمه هو ذاته بعينها ولذلك فإنّ علمه أزلي أبدي.
ثم يعود القرآن لكلمات الأعراب من أهل البادية الذين يمنّون على النبي بأنّهم أسلموا وأنّهم أذعنوا لدينه في الوقت الذي حاربته القبائل العربية الاخرى. فيقول القرآن جواباً على كلماتهم هذه : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّاتَمُنُّوا عَلَىَّ إِسْلمَكُم بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَيكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
«المنّة» : من مادة «المن» ومعناه الوزن الخاص الذي يوزن به ، ثم استعمل هذا اللفظ على كل نعمة غالية وثمينة ، والمنّة على نوعين : فإذا كان فيها جانب عملي كعطاء النعمة والهبة فهي ممدوحة ، ومنن الله من هذا القبيل ، وإذا كان فيها جانب لفظي ، كمنّ كثير من الناس بالقول بعد العمل ، فهي قبيحة وغير محبوبة.
فالإيمان وقبل كل شيء يمنح الإنسان إدراكاً جديداً عن عالم الوجود ، ويكشف عنه حجب الأنانية والغرور ، ويوسع عليه أفق نظرته ، ويجسّد له عظمة خلقه في نظره.
ومن هنا كان على الإنسان أن يؤدّي شكر نعمة الله صباح مساء ، وأن يهوي إلى السجود بعد كل صلاة وعبادة ، وأن يشكر الله على جميع هذه الامور.
وفي آخر آية من الآيات محل البحث تأكيد آخر على ما ورد في الآية الآنفة إذ تقول : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ). فلا تصرّوا على أنّكم مؤمنون حتماً ولا حاجة للقسم .. فهو حاضر في أعماق قلوبكم ، وهو عليم بما يجري في غيب السماوات والأرض جميعاً.
|
«نهاية تفسير سورة الحجرات» |
* * *