الآنفتين بيان لحقيقة الإيمان إذ تقول الآية الاولى : (قَالَتِ الْأَعْرَابُءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ).
وطبقاً لمنطوق الآية فإنّ الفرق بين «الإسلام» و «الإيمان» في أنّ : الإسلام له شكل ظاهري قانوني ، فمن تشهد بالشهادتين بلسانه فهو في زمرة المسلمين وتجري عليه أحكام المسلمين.
أمّا الإيمان فهو أمر واقعي وباطني ، ومكانه قلب الإنسان لا ما يجري على اللسان أو ما يبدو ظاهراً.
في مجمع البيان : روى أنس عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : «الإسلام علانية والإيمان في القلب».
وهذا المعنى نفسه وارد في تعبير آخر في بحث الإسلام والإيمان. في الكافي عن فضيل بن يسار قال : سمعت الإمام الصادق عليهالسلام يقول : «إنّ الإيمان يشارك الإسلام ولا يشاركه الإسلام ، إنّ الإيمان ما وقر في القلوب والإسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء».
ثم تضيف الآية محل البحث فتقول : (وَإِن تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لَايَلِتْكُم مّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيًا). وسيوفّيكم ثواب أعمالكم بشكل كامل ولا ينقص منها شيئاً.
وذلك ل (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
«يلتكم» : مشتق من «لَيت» على زنة (ريب) ومعناه الإنقاص من الحق.
والعبارات الأخيرة في الحقيقة إشارات إلى أصل قرآني مسلّم به وهو أنّ شرط قبول الأعمال «الإيمان» ، إذ مضمون الآية أنّه إذا كنتم مؤمنين بالله ورسوله إيماناً قلبياً وعلامته طاعتكم لله والرسول فإنّ أعمالكم مقبولة ، ولا ينقص من أجركم شيء ، ويثيبكم الله ، وببركة هذه الأعمال يغفر ذنوبكم لأنّ الله غفور رحيم.
وحيث إنّ الحصول على هذا الأمر الباطني أي الإيمان ليس سهلاً ، فإنّ الآية التالية تتحدث عن علائمه ، العلائم التي تميّز المؤمن حقّاً عن المسلم والصادق عن الكاذب ، وأولئك الذين استجابوا لله وللرسول رغبةً وشوقاً منهم عن أولئك الذين استجابوا طمعاً أو للوصول إلى المال والدنيا فتقول : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَءَامَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللهِ).
أجل ، إنّ أوّل علامة للإيمان هي عدم التردد في مسير الإسلام ، والعلامة الثانية الجهاد بالأموال ، والعلامة الثالثة التي هي أهم من الجميع الجهاد بالنفس.