«قل ربّي الله ثم استقم» (١).
فبعد البشارتين الاولى والثانية والمتمثلتين بعدم (الخوف) و (الحزن) تصف الآية المرحلة الثالثة بقوله تعالى : (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ).
والبشارة الرّابعة يتضمّنها قوله تعالى : (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَفِى الْأَخِرَةِ). فلن نترككم وحيدين ، بل نعينكم في الخير وتعصمكم عن الانحراف حتى تدخلوا الجنة.
وهذا ـ أي البشارة الرابعة ـ دليل على أنّ المؤمنين من ذوي الاستقامة يسمعون هذا الكلام من الملائكة في الدنيا عندما يكونون أحياء ، إلّاأنّ ذلك لا يكون باللسان واللفظ ، بل يسمعون ذلك باذُن قلوبهم ، بما يشعرون به من هدوء واستقرار وسكينة وإحساس كبير بالراحة عند المشاكل والصعاب ، وتثبّت أقدامهم من السقوط والإنحراف.
والبشارة الخامسة قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ). أي : في الجنة.
أمّا البشارة السادسة فلا تختص بالنعم المادية وما تريدونه. بل الاستجابة إلى العطايا والمواهب المعنوية : (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ).
أمّا البشارة السابعة والأخيرة فهى أنّكم ستحلون ضيوفاً لدى الباريء عزوجل وفي جنته الخالدة ، وستقدّم لكم كل النعم تماماً مثلما يتمّ الترحيب بالضيف العزيز من قبل المضيف : (نُزُلاً مّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ).
(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٣٦)
ادفع السيّئة بالحسنة : مازالت هذه المجموعة من الآيات الكريمة تتحدث عن الصورة الاخرى عن المؤمنين الذين يتبعون أحسن القول. يقول تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
إنّ الآية الكريمة هذه ترسم ثلاث صفات لذي القول الحسن هي : الدعوة إلى الله ، والعمل الصالح ، والتسليم حيال الحق.
__________________
(١) سنن ابن ماجة ٢ / ١٣١٤ ؛ سنن ترمذي ٤ / ٣٢.