ألم يحن الوقت الذي تتركون فيه هذه الخرافات والأوهام القبيحة والتافهة؟ (أَفَلَا تَذَكَّرُونَ).
إذن أنّ هذا الكلام باطل من الأساس بحيث لو أنّ أي إنسان له ذرّة من عقل ودراية ، ويتفكّر في الأمر جيّداً ، لأدرك بطلان هذه المزاعم.
بعد إثبات بطلان إدّعاءاتهم الخرافية بدليل تجريبي وآخر عقلي ، ننتقل إلى الدليل الثالث وهو الدليل النقلي ، حيث يقول القرآن الكريم مخاطباً إيّاهم : لو كان ما تزعمونه صحيحاً لذكرته الكتب السابقة ، فهل يوجد لديكم دليل واضح عليه ، (أَمْ لَكُمْ سُلْطنٌ مُّبِينٌ).
وإذا كنتم صادقين في قولكم فأتوا بذلك الكتاب : (فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
هذا القول يشبه بقيّة الأقوال التي يخاطب بها القرآن عبدة الأصنام : (وَجَعَلُوا الْمَلِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسَلُونَ * وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * أَمْءَاتَيْنهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) (١).
الآية اللاحقة تطرّقت إلى خرافة اخرى من خرافات مشركي العرب ، والتي تزعم بوجود نسبة بين الله عزوجل والجن ، فالآية هنا تخاطبهم بضمير الغائب ، لأنّهم اناس تافهون ، ولا تتوفّر فيهم الكفاءة واللياقة للردّ على زعمهم : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ نَسَبًا).
والمراد من كلمة (نسب) كل أشكال الرابطة والعلاقة ، حتى ولو لم يكن هناك أي صلة للقرابة فيها ، وكما نعلم فإنّ مجموعة من المشركين العرب كانوا يعبدون الجن ويزعمون أنّها شركاء لله ، ولهذا كانوا يقولون بوجود علاقة بينها وبين الله. فالقرآن المجيد ينفي هذه المعتقدات الخرافية بشدة ، ويقول : (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ).
ونزّه الله تعالى نفسه عمّا قاله اولئك الضالون في صفاته تعالى ، قائلاً : (سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ). وإستثنى وصف عباده المخلصين (الذين وصفوه عن علم ومعرفة ودراية) حيث وصفوه بما يليق بذاته المقدّسة. قال تعالى : (إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ).
العباد الخالصون من كل أشكال الشرك وهوى النفس والجهل والضلال ، والذين لا يصفون الباريء عزوجل إلّابما سمح لهم به.
__________________
(١) سورة الزّخرف / ١٩ ـ ٢١.