ثم يردّ القرآن على تساؤلاتهم عندما يقول للرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله : قل لهم : نعم أنتم وأجدادكم ستبعثون صاغرين مهانين أذلّاء ، (قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ).
فهل تتصورون أنّ عملية إحيائكم والأوّلين تعدّ مستحيلة ، أو هي عمل عسير على الله القادر والقوي؟ كلّا ، فإنّ صرخة عظيمة واحدة ممّن كلّفهم الله سبحانه وتعالى بذلك كافية لبعث الحياة بمن في القبور ، ونهوض الجميع فجأة من دون أيّ تمهيد أو تحضير من قبورهم ليشاهدوا بأعينهم ساحة المحشر التي كانوا بها يكذّبون : (فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ).
تعبير (زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ) مع الإلتفات إلى معنى الكلمتين ، يشير إلى أنّ البعث يتمّ بسرعة وعلى حين غرّة ، وإلى سهولته في مقابل قدرة الباريء عزوجل.
وهنا تتعالى صرخات المشركين المغرورين وتبيّن ضعفهم وعجزهم وعوزهم ، ويقولون : الويل لنا فهذا يوم الدين : (وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هذَا يَوْمُ الدّينِ).
نعم ، فعندما تقع أعينهم على محكمة العدل الإلهي وشهودها وقضاتها ، وعلى علامات العقاب فإنّهم ـ من دون أن يشعروا ـ يصرخون ويبكون ، ويعترفون بحقيقة البعث.
وهنا يوجّه إليهم الخطاب من الباريء عزوجل أو من ملائكته : نعم ، اليوم هو يوم الفصل الذي كنتم به تكذّبون ، (هذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِى كُنتُم بِهِ تُكَذّبُونَ).
وبما أنّ المجرمين لا يفكّرون إلّابالجزاء والعقاب الذي سينالهم ، يطلق على يوم القيامة اسم يوم الجزاء ، ولكن الله سبحانه وتعالى يشير إلى معنى أوسع من الجزاء الذي يعدّ أحد أبعاد ذلك اليوم ، إذ يعتبر ذلك اليوم هو يوم الفصل.
يوم فصل الحق عن الباطل ، فيجب أن تتبيّن كل الخطوط المتضادة والبرامج الحقيقية والكاذبة ويوم المحاكمة.
فطبيعة الدنيا هي إختلاط الحق بالباطل ، في حين أنّ طبيعة البعث هو فصل الحق عن الباطل ، ولهذا السبب فإنّ أحد أسماء يوم القيامة في القرآن المجيد (يوم الفصل).
ثم يصدر الباريء عزوجل أوامره إلى ملائكته المكلفين بإرسال المجرمين إلى جهنم أن (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ).
نعم احشروهم وما كانوا يعبدون (مِن دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ).
«احشروا» : مشتقة من «حشر» ، ويقول الراغب في مفرداته : إنّها تعني إخراج الجماعة عن مقرّهم وإزعاجهم عنه إلى الحرب ونحوها.