٤ ـ وأخيراً يقول أحد المفسّرين : إنّ الشعر مجموعة من الأشواق التي تحلّق منطلقة من الأرض باتّجاه السماء ، بينما الوحي حقائق نازلة من السماء إلى الأرض ، وهذان الإتّجاهان واضح تفاوتهما.
وهنا يجب أن لا ننسى تقدير مقام اولئك الشعراء الذين يسلكون هذا الطريق باتّجاه أهداف مقدسة ، ويصونون أشعارهم من كل ما لا يرضي الله.
ثم يضيف تعالى في آخر الآية لنفي الشعر عن الرسول صلىاللهعليهوآله : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُّبِينٌ).
والهدف هو الإنذار وإتمام الحجة : (لّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ).
هذه الآيات «ذكر» ووسيلة تنبيه ، هذه الآيات «قرآن مبين» يوضّح الحق بلا أدنى تغطية أو غمط ، بل بقاطعية وصراحة ، ولذا فهو عامل إنتباه وحياة وبقاء.
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) (٧٦)
فوائد الأنعام للإنسان : يعود القرآن الكريم مرّة اخرى في هذه الآيات إلى مسألة التوحيد والشرك ، ويشير ـ ضمن تعداد قسم من آثار عظمة الله في حياة البشر ، وحلّ مشكلاتهم ورفع حاجاتهم ـ إلى ضعف وعجز الأصنام ، وبمقارنة واضحة يشطب على الشرك ويثبت بطلانه ، وفي نفس الوقت يثبت حقّانية خطّ التوحيد. تقول الآية الكريمة الاولى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ).
ولكي يستفيدوا بشكل جيّد من هذه الحيوانات : (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ).
ولا تنتهي منافعها إلى هذا الحد ، بل (وَلَهُمْ فِيهَا مَنفِعُ وَمَشَارِبُ). وعليه : (أَفَلَا يَشْكُرُونَ). الشكر الذي هو وسيلة معرفة الله وتشخيص وليّ النعمة.
جملة (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ) إشارة إلى مسألة في غاية الأهمية ، وهي تذليل هذه الحيوانات