عظماً بالياً فجعل يَفُتّه بيده ويذريه في الريح ويقول : زعم محمّد أنّ الله يبعثنا بعد أن نموت ونكون عظاماً مثل هذا ، إنّ هذا شيء لا يكون أبداً.
التّفسير
حال أهل النار : مرّت في الآيات السابقة بحوث عديدة حول القيامة والجنّة والجحيم ، وتتحدّث هذه الآيات التي نبحثها حول نفس الموضوع ، فتعيد الآية الاولى أقوال منكري المعاد ، فتقول : (وَيَقُولُ الْإِنسنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا). أي إنّ هذا الشيء غير ممكن.
ثم يجيبهم مباشرة بنفس التعبير : (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسنُ أَنَّا خَلَقْنهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيًا).
ثم تهدد الآية التالية منكري المعاد ، والمجرمين الكافرين : (فَوَرَبّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا).
إنّ هذه الآية توحي بأنّ محكمة الأفراد الكافرين والمجرمين قريبة من جهنم.
ولمّا كانت الأولويات تلاحظ في تلك المحكمة العادلة ، فإنّ الآية التالية تقول : (ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) (١). ونبدأ بحسابهم أوّلاً ، فإنّهم عتوا عتواً نسوا معه كل مواهب الله الرحمان ، وجنحوا إلى التمرد والعصيان وإظهار الوقاحة أمام ولي نعمتهم.
ثم تؤكّد على هذا المعنى مرّة اخرى فتقول : (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا). فسنختار هؤلاء بدقة ، وسوف لا يقع أيّ اشتباه في هذا الإختيار.
(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) (٧٢)
الجميع يردون جهنم : تستمر الآيات في بحث خصائص القيامة والثواب والعقاب ، وأشارت في البداية إلى مسألة يثير سماعها الحيرة والعجب لدى أغلب الناس ، فتقول : (وَإِن مّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا). فجميع الناس سيدخلون جهنّم بدون استثناء لأنّه أمر حتمي.
__________________
(١) «الشيعة» : في الأصل بمعنى الجماعة التي يتعاون أفرادها للقيام بعمل ما ، وانتخاب هذا التعبير في الآيةيمكن أن يكون إشارة إلى أنّ العتاة المردة والضالين الكافرين كانوا يتعاونون في طريق الطغيان ، ونحن سنحاسب هؤلاء أوّلاً ، لأنّهم أكثر تمرّداً وعصياناً من الجميع.