ثم تخاطب الآية رسول الله وتقول : (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
بعد التأكيد على أنّ إدعاء هؤلاء فارغ لا قيمة له ، وأنّه مجرد امنية تخامر أذهانهم ، يطرح القرآن المعيار الأساس لد خول الجنة على شكل قانون عام : (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبّهِ). ومن هنا فالمشمولون بهذا القانون هم في ظلال رحمة الله (وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
ذكر عبارة «وَهُوَ مُحْسِنٌ» بعد طرح مسألة التسليم ، إشارة إلى أنّ صفة الإحسان ليست طارئة في نفوس المؤمنين ، بل هي خصلة نافذة في أعماق هؤلاء.
ونفي الخوف والحزن عن أتباع خط التوحيد سببه واضح ، لأنّ هؤلاء يخافون الله دون سواه ، بينما المشركون يخشون من كل ما يهدد مصالحهم الدنيوية التافهة ، بل يخشون أموراً خرافية موهومة تقلقهم وتقضّ مضاجعهم.
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١١٣)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : قال ابن عبّاس : إنّه لمّا قدم وفد نجران من النصارى على رسول الله صلىاللهعليهوآله أتتهم أحبار اليهود فتنازعوا عند رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال رافع بن حرملة : ما أنتم على شيء ، وجحد نبوّة عيسى وكفر بالإنجيل. فقال رجل من أهل نجران : ليست اليهود على شيء ، وجحد نبوّة موسى وكفر بالتوراة ، فأنزل الله هذه الآية.
التّفسير
تعصّب وتناقض : فيما مرّ بنا من آيات رأينا جانباً من الادّعاءات الفارغة التي أطلقها جمع من اليهود والنصارى ، ورأينا أنّ هذه الادّعاءات الفارغة تستتبعها روح احتكارية ضيّقة ، ثم وقوع في التناقضات. تقول الآية : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَىْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَىْءٍ).
ثم تضيف الآية : (وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ). أي : إنّ هؤلاء لديهم الكتاب الذي يستطيع أن ينير لهم الطريق في هذه المسائل ، ومع ذلك ينطلقون في أحكامهم من التعصب واللجاج والعناد.