في آيات سابقة من سورة البقرة ، وفي أوائل هذه السورة أيضاً إشارة إلى عهد وميثاق أخذه الله تعالى على بني إسرائيل وفي هذه الآية تذكير بهذا الميثاق : (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِى إِسْرَاءِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً).
ثم يضاف إلى ذلك القول بأنّهم ، فضلاً عن كونهم لم يعملوا بذاك الميثاق : (كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَاتَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ).
هذه هي طرائق المنحرفين الأنانيين وسبلهم ، فهم بدلاً من إتّباع قادتهم ، يصرّون على أن يكون القادة هم التابعين لأهوائهم.
في الآية التالية إشارة إلى غرورهم أمام كل ما اقترفوه من طغيان وجرائم : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فُتْنَةٌ). أي ظنّوا مع ذلك أنّ البلاء والجزاء لن ينزل بهم ، واعتقدوا ـ كما صرحت الآيات الاخرى ـ أنّهم من جنس أرقى ، وأنّهم أبناء الله!
وأخيراً إستحال هذا الغرور الخطير والتكبر إلى ما يشبه حجاباً غطّى أعينهم وآذانهم : (فَعَمُوا وَصَمُّوا) عن رؤية آيات الله وعن سماع كلمات الحقّ.
ولكنهم عندما أصابتهم مظاهر من عقاب الله وشاهدوا نتائج أعمالهم المشؤومة ، ندموا وتابوا بعد أن أدركوا أنّ وعد الله حق ، وأنّهم ليسوا عنصراً متميزاً فائقاً.
وتقبل الله توبتهم : (ثُمَّ تَابَ اللهُ عَلَيْهِمْ).
إلّا أنّ حالة الندم والتوبة لم تلبث طويلاً ، فسرعان ما عاد الطغيان والتجبّر وسحق الحق والعدالة ، وعادت أغشية الغفلة الناتجة عن الإنغماس في الإثم تحجب أعينهم وآذانهم مرّة اخرى (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مّنْهُمْ) فلم يعودوا يرون الآيات أو يسمعوا كلمة الحق ، وعمّت الحالة الكثير منهم.
في نهاية الآية جملة قصيرة عميقة المعنى تقول : إنّ الله لا يغفل أبداً عن أعمالهم ، إذ أنّه يرى كل ما يعملون : (وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ).
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (٧٢) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٧٤)