طريق الحق والعدل ، فكانت رحمة الله أقرب إلى نبيّه فصانته من كيد المنافقين ، حيث تقول الآية : (وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ).
لقد سعى اولئك المنافقون ـ من خلال اتهامهم لشخص بريء وجرّ النبي وتوريطه في هذه الحادثة ـ إلى إلحاق ضربة بشخصية النبي صلىاللهعليهوآله الاجتماعية والمعنوية أوّلاً ، وتحقيق مآربهم الدنيئة بحق إنسان مسلم بريء ثانياً ، ولكن الله العزيز العليم كان لهم بالمرصاد ، فصان نبيّه صلىاللهعليهوآله من تلك المؤامرة وأحبط عمل المنافقين.
بعد ذلك تذكر الآية أنّ هؤلاء القوم إنّما يرمون بأنفسهم في الضلالة ولا يضرّون بعملهم النّبي صلىاللهعليهوآله شيئاً ، إذ تقول : (وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْءٍ).
وأخيراً توضح الآية سبب عصمة النبي عن الخطأ والزلل والذنب ، فتذكر أنّ الله أنزل على نبيّه الكتاب والحكمة وعلمه ما لم يكن يعلم من قبل : (وَأَنزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ). ثم تردف الآية ذلك بجملة : (وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا).
وقد ورد في آخر الآية دليل من الأدلة الأساسية لقضية العصمة بشكل مجمل ، وهذا الدليل هو قوله تعالى أنّه علم نبيّه من العلوم والمعارف التي يكون النبي في ظلها مصوناً من الوقوع في أي خطأ أو زلل ، ولأنّ العلم والمعرفة تكون نتيجتهما في المرحلة النهائية حفظ الإنسان من ارتكاب الخطأ.
(لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (١١٤)
النجوى أو الهمس : لقد أشارت الآيات السابقة إلى اجتماعات سرية شيطانية كان يعقدها بعض المنافقين أو أشباههم ، وقد تطرقت الآية الأخيرة إلى هذا الأمر بشيء من التفصيل ، وكلمة «النجوى» لا تعني الهمس فقط ، بل تطلق على كل اجتماع سري أيضاً. والآية هنا تذكر أنّ أغلب الاجتماعات السرّية التي يعقدها اولئك تهدف إلى غايات شيطانية شريرة لا خير فيها ولا فائدة ، إذ تقول : (لَّاخَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَيهُمْ).
ولكي لا يحصل وهم من أنّ كل نجوى أو همس أو اجتماع سرّي يعتبر عملاً مذموماً أو