١ ـ مُبَارَكاً : «المبارك» يعني كثير الخير والبركة ، وإنّما كانت الكعبة المعظمة مباركة لأنّها تعتبر بحق واحدة من أكثر نقاط الأرض بركة وخيراً ، سواء الخير المادي ، أو المعنوي.
٢ ـ هُدًى لِلْعَالَمِينَ : أجل ، إنّ الكعبة هدى للعالمين فهي تجتذب الملايين من الناس الذين يقطعون إليها البحار والوهاد ، ويقصدونها من كل فج عميق ليجتمعوا في هذا الملتقى العبادي العظيم وهم بذلك يقيمون هذه الفريضة فريضة الحج التي لم تزل تؤدّي بجلال عظيم منذ عهد إبراهيم الخليل عليهالسلام.
٣ ـ فِيهِءَايَاتٌ بَيّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرهِيمَ : إنّ في هذا البيت معالم واضحة وعلائم ساطعة لعبادة الله وتوحيده ، وفي تلك النقطة المباركة من الآثار المعنوية ما يبهر العيون ويأخذ بمجامع القلوب وإنّ بقاء هذه الآثار والمعالم رغم كيد الكائدين وإفساد المفسدين الذين كانوا يسعون إلى إزالتها ومحوها لَمن تلك الآيات التي يتحدث عنها القرآن في هذا الكلام العلوي.
٤ ـ وَمَن دَخَلَهُ كَانَءَامِنًا : لقد طلب إبراهيم عليهالسلام من ربّه بعد الانتهاء من بناء الكعبة ، أن يجعل بلد مكة آمناً إذ قال : (رَبّ اجْعَلْ هذَا الْبَلَدَءَامِنًا) (١). فاستجاب الله له وجعل مكة بلداً آمناً.
وبعد أن استعرض القرآن الكريم فضائل هذا البيت وعدد مزاياه ، أمر الناس بأن يحجّوا إليه ـ دون استثناء ـ وعبر عن ذلك بلفظ مشعر بأنّ مثل هذا الحج هو دَين لله على الناس ، فيتوجب عليهم أن يؤدّوه ويفرغوا ذممهم منه إذ قال : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ).
وتعني لفظة «الحج» أصلاً القصد ، أمّا وجه تسمية هذه الزيارة وهذه المناسك الخاصة بالحج فلأن قاصد الحج إنّما يخرج وهو «يقصد زيارة بيت الله» ولهذا أضيفت لفظة الحج إلى البيت فقال تعالى : (حِجُّ الْبَيْتِ).
إنّ الحج يجب على كل إنسان مستطيع ، في العمر مرّة واحدة ، ولا يستفاد من الآية المبحوثة هنا أكثر من ذلك ، لأنّ الحكم فيها مطلق ، وهو يحصل بالإمتثال مرّة واحدة.
إنّ الشرط الوحيد الذي ذكرته الآية الحاضرة لوجوب الحج واستقراره هو «الاستطاعة» المعبر عنها بقوله سبحانه : (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً).
ثم إنّه يستفاد من هذه الآية أنّ هذا القانون ـ مثل بقية القوانين الإسلامية ـ لا يختص
__________________
(١) سورة إبراهيم / ٣٥.