التّفسير
فصم قيد آخر من قيود أسر النساء : ذكرنا في البحوث السابقة كيف كانت النسوة يعشن في أسر العادات الجاهلية ، وكيف كنّ تحت سيطرة الرجال دون أن يعنى أحد برغبتهن ورأيهن. واختيار الزوج كان واحداً من قيود ذلك الأسر ، إذ أنّ رغبة المرأة وإرادتها لم يكن لها أي تأثير في الأمر ، فحتّى من كانت تتزوج زواجاً رسمياً ثم تطلّق لم يكن لها حق الرجوع ثانية بمحض إرادتها ، بل كان ذلك منوطاً برغبة وليّها أو أوليائها ، وكانت ثمة حالات يرغب فيها الزوجان بالعودة إلى الحياة الزوجية بينهما ، ولكن أولياء المرأة كانوا يحولون دون ذلك تبعاً لمصالحهم أو لتخيلاتهم وأوهامهم.
إلّا أنّ القرآن أدان هذه العادة ، ورفض أن يكون للأولياء مثل هذا الحق ، إذ إنّ الزوجين ـ وهما ركنا الزواج الأصليان ، إذا توصّلا إلى إتفاق بالعودة بعد الانفصال ـ يستطيعان ذلك دون أن يكون لأحد حق الإعتراض عليهما. تقول الآية : (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ).
ويتبين من هذه الآية أنّ الثيّبات ـ أي اللّواتي سبق لهنّ الزواج ثم طلّقن أو مات أزواجهن ـ إذا شئن الزواج ثانية فلا يلزمهن موافقة أوليائهن أبداً.
ثم تضيف الآية وتحذّر ثانية وتقول : (ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْأَخِرِ). ثم من أجل التأكيد أكثر تقول : (ذلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
يشير هذا المقطع من الآية إلى أنّ هذه الأحكام قد شُرّعت لمصلحتكم غاية الأمر أنّ الأشخاص الذين ينتفعون بها هم الذين لهم أساس عقائدي من الإيمان بالله والمعاد ولا يتبعون أهواءهم.
(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٢٣٣)