ولم يتخذ
المشركون هؤلاء الأنداد للعبادة فحسب ، بل (يُحِبُّونَهُمْ
كَحُبّ اللهِ). (وَالَّذِينَءَامَنُوا
أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ). لأنّهم أصحاب عقل وإدراك ، فلا يستوي من يحب عن عقل
وبصيرة ، ومن يحب عن جهل وخرافة وتخيل.
حب المؤمنين
ثابت عميق لا يتزلزل ، وحب المشركين سطحي تافه لا بقاء له ولا استمرار. لذلك تقول
الآية : (وَلَوْ يَرَى
الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا
وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ). لرأوا سوء فعلهم وسوء عاقبتهم.
في هذه اللحظات
تزول حجب الجهل والغرور والغفلة من أمام أعينهم ، وحين يرون أنفسهم دون ملجأ أو
ملاذ ، يتجهون إلى قادتهم ومعبوديهم ، ولات حين ملاذ بغير الله (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا
مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ
الْأَسْبَابُ).
واضح أنّ
المعبودين هنا ليسوا الأصنام الحجرية أو الخشبية ، بل الطغاة الجبابرة الذين
استعبدوا الناس ، فقدم لهم المشركون فروض الولاء والطاعة.
هؤلاء الغافلون
المغفّلون حين يرون ما حلّ بهم يمنون أنفسهم : (وَقَالَ الَّذِينَ
اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا
مِنَّا) لكنها امنية لا تتحقق.
ثم تقول الآية
: (كَذلِكَ يُرِيهِمُ
اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ). لكنها حسرة غير نافعة ... فاليوم يوم الجزاء وليس يوم
تلافي الأخطاء.
(يَا أَيُّهَا
النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً وَلَا تَتَّبِعُوا
خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّمَا
يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا
تَعْلَمُونَ) (١٦٩)
سبب النّزول
في تفسير مجمع
البيان عن ابن عباس أنّها نزلت في ثقيف وخزاعة وبني عامر بن صعصعة وبني مدلج لما
حرّموا على أنفسهم من الحرث والأنعام والبحيرة والسائبة والوصيلة ، فنهاهم الله عن
ذلك.