فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (١٠٨) [المؤمنون : ١٠٨]. فإذا قال ذلك أطبقت عليهم ؛ وهو قوله : (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) (٨) أي : مطبقة (فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) (٩) [الهمزة : ٨ ـ ٩].
قوله : (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ).
ذكروا عن عبد الله بن مسعود أنّه أهديت له سقاية ذهب وفضّة. فأمر بخدود فخدّت في الأرض. ثمّ قذف فيها من جزل الحطب. ثمّ قذف فيها تلك السقاية ، حتّى إذا أزبدت وماعت قال لغلامه : ادع من بحضرتنا من أهل الكوفة. فدعا رهطا. فلمّا دخلوا عليه قال : أترون هذا؟ قالوا : نعم. قال : ما رأينا في الدنيا شبها للمهل أدنى من هذا الذهب وهذه الفضّة حين أزبد وماع.
وقال بعضهم : المهل كعكر الزيت. وقال مجاهد : المهل : القيح والدم.
قوله : (يَشْوِي الْوُجُوهَ) : أي يحرق الوجوه إذا أهوى ليشربه. (بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) (٢٩) : أي منزلا ومأوى. وقال مجاهد : (وساءت مرتفقا) أي : مجتمعا. وقوله : (وساءت) أي : بئس المنزل والمأوى هي جهنّم. وهذا وعيد هوله شديد لمن كفر.
ثمّ أخبر بوعده لمن آمن فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) : قد فسّرناه في غير هذا الموضع (١).
قوله : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) : ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : إنّ الرجل من أهل الجنّة لو بدا سواره لغلب على ضوء الشمس (٢).
__________________
(١) انظر ما مضى في الجز الأوّل ، تفسير الآية ٢٥ من سورة البقرة.
(٢) هذا حديث رواه ابن سلّام عن ابن لهيعة ، وهو ممّن لا يحتجّ بهم ، فقد ضعّفه كثيرون ، وإن وثّقه بعضهم. ورواه السيوطيّ في الدر المنثور ، ج ٤ ص ٢٢١ بدون سند عن ابن مردويه عن سعد عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ولفظه : «لو أنّ رجلا من أهل الجنّة أطلع فبدت أساوره لطمس ضوءه ضوء الشمس كما يطمس ضوء النجوم. وأصحّ منه ما رواه الشيخان عن أبي هريرة قال : «سمعت خليلي يقول : تبلغ الحلية من المؤمن ـ