ذكروا أنّ معاذ بن جبل كان على بعض أهل الشام فجاءه ناس من أهل البادية فقالوا : قد شقّت علينا الإقامة ، فلو بدأت بنا ، فقال : لعمري ، لا أبدأ بكم قبل الحاضرة ، أهل لعبادة وأهل المساجد ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : ((عليهم تنزل السكينة ، وإليهم يأتي الخبر (١) ، وبهم يبدأ يوم القيامة. قال والخبر أي الوحي)) (٢).
قوله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يقول : قد ساروا في الأرض فرأوا آثار الذين أهلكهم الله من الأمم السالفة حين كذّبوا رسلهم. كان عاقبتهم أن دمّر الله عليهم فصيّرهم إلى النار. يقول : أفلم يسيروا في الأرض فيحذروا أن ينزل بهم ما نزل بالقرون من قبلهم. (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) : هي دار المؤمنين في الآخرة (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) : أي خير لهم من الدنيا (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٠٩).
قوله : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) : أي يئس الرسل (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا).
ذكروا عن سعيد بن جبير أنّه قال : حتّى إذا استيئس الرجل من قومهم أن يؤمنوا وظنّ قومهم أنّ الرسل قد كذبوا.
وقال مجاهد : استيئس الرسل أن يعذّب قومهم. قال : [ظنّ قومهم أنّ الرسل قد كذبوهم] (٣) وهذا تفسير من قرأها بالتخفيف : (كذبوا). ومثل ذلك في هذه الآية الأخرى في سورة الأنبياء : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا
__________________
(١) في المخطوطات : «وإليهم يأتي الخير» ، ورجّحت أن يكون في الكلمة تصحيف صوابه ، «الخبر» أي خبر السماء ، وهو الوحي ، وإن كان الوحي خيرا أيضا بل هو كلّ الخير.
(٢) هذه أحاديث وأخبار قيّمة لم يوردها ابن أبي زمنين في مختصره لتفسير ابن سلّام ، وهي لعمري من كنوز السنّة وأخبار الصحابة الكرام رضي الله عنهم. فليتنا نبسط فيها القول تعليقا وشرحا ، حتّى نستفيد منها ونفيد ، فنقدّم لأجيالنا الصالحة المؤمنة نماذج من الخلق القويم والسيرة الحميدة. وقد حفظها لنا الشيخ هود الهوّاريّ ورواها كلّها ولو كان نقله إيّاها بأسانيدها ، كما جاءت في تفسير ابن سلّام ، لكان صنيعه أحسن وعمله أتمّ.
(٣) زيادة من تفسير مجاهد ، ص ٣٢٢.