وقدم اللهو على اللعب فى الأعراف (١) والعنكبوت (٢). وإنما قدم اللعب فى الأكثر ؛ لأن اللعب زمانه الصبا واللهو زمانه الشباب ، وزمان الصبا مقدم على زمان / الشباب (٣) ، يبينه ما ذكر فى الحديد : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ) كلعب الصبيان ، (وَلَهْوٌ) كلهو الشبان ، (وَزِينَةٌ) كزينة النسوان ، (وَتَفاخُرٌ) كتفاخر الإخوان ، (وَتَكاثُرٌ) كتكاثر السلطان.
وقريب من هذا فى تقديم لفظ اللعب على اللهو قوله تعالى : (وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ. لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) (٤).
وقدم اللهو في الأعراف لأن ذلك في القيامة ، فذكر على ترتيب ما انقضى. وبدأ بما به الإنسان انتهى من الحالتين ، وأما في العنكبوت فالمراد (٥) بذكرهما ذكر زمان الدنيا ، وأنه سريع الانقضاء قليل البقاء (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) (٦) أى الحياة التى لا أمد لها ، ولا نهاية لأبدها ، فبدأ بذكر اللهو لأنه في زمان الشباب ، وهو أكثر من زمان اللعب : وهو زمان الصبا.
* قوله تعالى : (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ) (٧) بالرفع ، وفي يوسف : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) (٨) بالإضافة ؛ لأن ما قبلها في هذه السورة (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا). فالدنيا صفة للحياة ، كذلك : جعل الآخرة صفة للدار ، ولأنه في المصاحف بلامين إلا في مصحف الشام. وما في يوسف بلام واحدة على الإضافة فوافقوا المصاحف ، وقرأ ابن عامر (٩) على الإضافة موافقة لمصحفهم واعتبارا بما في يوسف ويقرب (١٠) ما في هذه السورة مما (١٠) فى الأعراف
__________________
كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) من الآية : ٢٠.
(١) سورة الأعراف (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) الآية : ٥١.
(٢) سورة العنكبوت (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) الآية : ٦٤.
(٣) كذا في البصائر ، وفي الأصلية : [اللهو].
(٤) سورة الأنبياء (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ. لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) الآيتان : ١٦ ، ١٧.
(٥) كذا في البصائر : ١٩٣ ، وفي الأصلية : [والمراد].
(٦) سورة العنكبوت الآية : ٦٤. انظر : الحاشية رقم (٢) بهذه الصفحة.
(٧) سورة الأنعام (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) الآية : ٣٢.
(٨) سورة يوسف (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ) من الآية : ١٠٩.
(٩) ابن عامر هو الإمام عبد الله بن عامر بن يزيد (٢١ ـ ١١٨ ه) إمام قراء أهل الشام وأحد الأئمة السبعة المشهورين.
(١٠ ، ١١) كذا في «ز ـ ٢» ، وفي الأصلية : [ويقوى .... ما].