* قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا) الآية (١). وقال فى آل عمران : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) الآية (٢). وقال فى التوبة : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) الآية (٣). أطنب الخطيب (٤) فى / هذه الآيات : ومحصول الكلام أن الأول للنبى
__________________
(١) سنام القرآن (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) الآية : ٢١٤.
(٢) سورة آل عمران من الآية ١٤٢ وتمامها (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ).
(٣) سورة التوبة (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) الآية : ١٦.
(٤) كذا فى «ز ـ ٢» ، وفى الأصلية : [الخطيب أطنب] ... إلخ والقراءة تصح بهما.
* راجع الخطيب الإسكافى : درة التنزيل ص ٤٢ ـ ٤٤.
ونقتبس من كلام الخطيب ما يبسط كلام المصنف : قال : [إن الآية الأولى من هذه السورة وردت عقب قوله : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) من الآية : ٢١٣ سورة البقرة.
فكانت هذه الحالة التى أخبر الله تعالى عنها مشبهة حال النبى والمؤمنين معه وما كان من بغى المشركين عليهم. ومجاهدة المؤمنين لهم ، ومن الإحالة على أحوال من تقدم وما ابتلوا به يتضح معه ألا خلاص إلا بعد الصبر وتحمل المشقة مع سبق الهداية والتوفيق. وأعقب ذلك بقوله ـ إشارة إلى تسلية المؤمنين فيما يصيبهم ـ : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) الآية. فعرفهم أنه لا بد من الابتلاء والاختبار. (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) من الآية : ٣١ سورة القتال.
فكان فى ذكر ذلك شحذ لبصائرهم فى الجهاد وحملهم على الاقتداء بفرق الصلاح وأمم الأنبياء قبلهم وتأنيس لهم بالصبر على ما حل بهم حتى حمدوا عاقبة أمرهم.
أما الآية الثانية فى سورة آل عمران فقد سبقها قوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) الآيات : ١٣٩ ـ ١٤١.
والحالة التى نزلت فيها هذه الآية اقتضت البعث على التشمير للقتال والصبر بعد صبر الأعداء. والآية خوطب بها أهل أحد تسلية لهم فيما أصابهم ولم يذكر هنا غير الجهاد والصبر ولم يقصد فيها الإخبار بغير ذلك.
أما آية براءة فخطاب للمؤمنين ممن شاهد فتح مكة وإعلام لهم بأنهم لا يكمل إيمانهم إلا بمطابقة ظواهرهم بواطنهم وقد سبق الآية وتلاها بيان أحوال المنافقين من قومهم (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا =