* قوله تعالى : (اهْبِطُوا مِنْها) كرّر الأمر بالهبوط (١) لأن الأول من الجنّة والثانى من السماء (٢).
__________________
فعلى هذا الوجه قوله تعالى فى سورة الأعراف : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا) بالفاء : الحمل على هذا المعنى فى هذه الآية أولى ؛ لأنه عز من قائل ، لما قال لإبليس : (اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً) : فكأنه قال لآدم : «ادخل أنت وزوجك الجنة». فقال : (اسْكُنْ) يعنى : ادخل ساكنا ليوافق الدخول الخروج. ويكون أحد الخطابين لهما قبل الدخول ، والآخر بعده مبالغة فى الإعذار وتوكيدا للإنذار. وتحقيقا لقوله عزوجل : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ)] أه. من درة التنزيل ص ٥.
وعبارة الإمام السيوطى فى الإتقان ١ / ١٣٢ ، معترك الأقران : القسم الأول ص ٨٧ : موافقة لعبارة المصنف.
* تعقيب : لم يتعرض المصنف لتوجيه إثبات [من] فى آية الأعراف (فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما) وتجرد آية البقرة منها (وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما) : وموقع (مِنْ حَيْثُ شِئْتُما) غير موقع (حَيْثُ شِئْتُما) والتوجيه : أن [من] تحرز وتعطى إباحة الأكل من ثمر كل موضع فى الجنة كما لو قلت : [كل من حيث شئت من مواضع هذا البستان]. فأفادت [من] إباحة كل ما فى أماكن الجنة والتوسع والترغد فيه. فلم يحتج المعنى إلى إحرازه بلفظ [رغدا]. وإسقاط [من] يعطى بأظهر الاحتمالين إباحة الأكل من كل موضع لا من ثمر كل موضع. لا تعطى إباحة الأكل من كل ثمر إلا باحتمال ضعيف. فتعيّن ورود (رَغَداً) إذ ليس فى السياق ما يحرز معناها.
(١) ذكر الأمر بالهبوط فى آيتين من سورة البقرة فى قصة آدم عليهالسلام :
الآية الأولى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) الآية : ٣٦.
والآية الثانية : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) الآية : ٣٨.
(٢) هذا التعليل غير مقبول عند الذين خالفوا الجمهور وقالوا : إن الجنة التى سكنها آدم ليست بجنة الخلد ، يقول سماحة الأستاذ الجليل الشيخ حسنين محمد مخلوف فى تفسيره «صفوة البيان» : [جمهور أهل السنة على أنها جنة المأوى وهى دار الثواب والخلود للمؤمنين فى الآخرة. وذهب آخرون منهم أبو مسلم الأصفهانى إلى أنها بستان فى الأرض خلقه الله امتحانا لآدم وزوجته. وساق أدلة الفريقين الإمام ابن القيم ولم يرجح شيئا منها. والأحوط والأسلم الكف عن تعيينها وعن القطع به ، وإليه مال أبو حنيفة وأبو منصور الماتريدى فى التأويلات]. صفوة البيان لمعانى القرآن ط ١٠ ص ٢٤ ، ٢٥.
وفى التفسير الوسيط الصادر تحت إشراف مجمع البحوث الإسلامى ـ ط. ثانية ١ / ٧٩ : [وقيل هى جنة بأرض فلسطين أو بين فارس وكرمان أو فى غيرهما خلقها الله امتحانا لآدم عليهالسلام. وحمل الإهباط منها على النقل منها إلى أرض أخرى كما فى قوله تعالى : (اهْبِطُوا مِصْراً) لأن خلقه كان فى الأرض بلا خلاف. ولم يذكر فى القصة رفعه منها إلى السماء حيث جنة الجزاء ولو وقع لكان أولى بالذكر ، ولأنها لو كانت دار الخلود لما دخلها إبليس. ذكره أبو السعود والألوسي ، والله أعلم].
ويمكن القول بأن الهبوط الأول اقترن بذكر العقوبة ، والثانى اقترن ببيان سبيل النجاة باتباع ما ينزل من الهدى الإلهى.