وفيها أيضا : الحث على الشفقة على عباد الله ، وإن كانوا عصاة. قال القشيري : وفى القصة : أن الله تعالى أوحى إلى يونس بعد نجاته : قل لفلان الفخّار : يكسر من الجرات ما عمله فى هذه السنة كلّها ، فقال يونس : يا ربّ ، إنه تعنى مدة فى إنجاز ذلك ، فكيف آمره أن يكسرها كلّها؟ فقال له : يا يونس ، يرقّ قلبك لخزاف يتلف عمل سنة ، وأردت أن أهلك مائة ألف من عبادى؟ لم تخلقهم ، ولو خلقتهم لرحمتهم. ه.
ثم وبّخ قريشا على قولهم : الملائكة بنات الله ـ بعد ذكر هلاك من كفر من الأمم قبلهم ، تهديدا ، فقال :
(فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (١٥٠) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٥٧) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠))
يقول الحق جل جلاله : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) ، أمر رسوله أولا فى أول السورة باستفتاء قريش على وجه إنكار البعث ، بقوله : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً) (١) ، ثم أمره هنا باستفتائهم [عن] (٢) وجه القسمة الضّيزى التي قسموها ، بأن جعلوا لله الإناث ، ولهم الذكور فى قولهم : الملائكة بنات الله ، مع كراهتهم لهن ، واستنكافهم من ذكرهن ، وليس من باب العطف النحوي ، خلافا للزمخشرى.
(أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ) ؛ حاضرون حتى تحققوا أنهم إناث. وتخصيص علمهم بالمشاهدة استهزاء بهم ، وتجهيل لهم ، لأنهم كما لم يعلموا ذلك مشاهدة ، لم يعلموه بخلق الله علمه فى قلوبهم ، ولا بإخبار صادق ، ولا بطريق استدلال ونظر ، بل بمجرد ظن وتخمين ، وإلقاء الشيطان إليهم. أو : معناه : أنهم يقولون ذلك عن طمأنينة نفس ؛ لإفراط جهلهم ، كأنهم شاهدوا خلقهم.
__________________
(١) الآية ١١ من سورة الصافات.
(٢) فى الأصول [على].