ومن نظر إلى باطنه تاه على الوجود بأسره ، لكن من آداب العبد : ألا يظهر بين يدى سيده إلا ما يناسب العبودية ، من الضعف ، والذل ، والفقر ، فإذا تحقق بوصفه مدّه الله بوصفه. وبالله التوفيق.
ثم ذكر مثال أهل الكفر ، فقال :
(احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (٢٣) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (٢٤) ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (٢٦) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (٣٠) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (٣١) فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (٣٢) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣) إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (٣٤))
يقول الحق جل جلاله للملائكة يوم القيامة : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي : اجمعوا الذين كفروا (وَأَزْواجَهُمْ) ؛ وأشباههم ، فيحشر عابد الصنم مع عبدة الأصنام ، وعابد الكواكب مع عبدتها. أو : نساءهم الكافرات ، أو : قرناءهم من الشياطين. و «الواو» بمعنى «مع» ، أو : عاطفة. (وَما كانُوا يَعْبُدُونَ ، مِنْ دُونِ اللهِ) أي : الأصنام ، اجمعوها معهم ، (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) أي : دلّوهم على طريقها ، وعرّفوهم بها. وعن الأصمعى : يقال : هديته فى الدين هدى ، وهديته الطريق هداية.
(وَقِفُوهُمْ) : احبسوهم (إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) عن أقوالهم وأفعالهم وعقائدهم ، (ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) ؛ لا ينصر بعضكم بعضا. وهذا توبيخ لهم بالعجز عن التناصر ، بعد ما كانوا يتناصرون فى الدنيا ، أو : استهزاء بهم. وقيل : هو جواب لأبى جهل ، حيث قال يوم بدر : (نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) (١) ، وجملة النفي : حال ، أي : ما لكم غير متناصرين ، (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) ؛ منقادون لما يراد بهم ؛ لعجزهم ، وانسداد أبواب الحيل عليهم ، أو : قد أسلم بعضهم بعضا وخذله.
(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) أي : التابع على المتبوع (يَتَساءَلُونَ) ؛ يتخاصمون ، ويسأل بعضهم بعضا سؤال توبيخ وتسخط ، (قالُوا) أي : الأتباع للمتبوعين : (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) أي : تصدوننا عن
__________________
(١) كما حكت الآية ٤٤ من سورة القمر.