يقول الحق جل جلاله : (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ) الصادر عنهم (إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ) الرسول صلىاللهعليهوسلم (بَيْنَهُمْ) وبين خصومهم ، سواء كانوا منهم أو من غيرهم ، (أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا) قوله ، (وَأَطَعْنا) أمره ، (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ؛ الفائزون بكل مطلب ، الناجون من كل مهرب. والإشارة إلى المؤمنين باعتبار صدور القول المذكور عنهم ، وما فيه من البعد ، للإشعار بعلو رتبتهم ، وبعد منزلتهم فى الفضل ، أي : أولئك المنعوتون بتلك النعوت الجميلة هم الفائزون بكل مطلوب.
(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) ، هذا استئناف جىء به لتقرير ما قبله من حسن حال المؤمنين ، وترغيب من عداهم فى الانتظام فى سلكهم ، أي : ومن يطع الله ورسوله ، كائنا من كان ، فيما أمرا به من الأحكام الشرعية اللازمة والمتعدية ، وقيل : من يطع الله فى فرائضه ، ورسوله فى سننه. (وَيَخْشَ اللهَ) على ما مضى من ذنوبه ، (وَيَتَّقْهِ) فيما يستقبل من عمره ، (فَأُولئِكَ) الموصوفون بما ذك ؛ ر من الطاعة والخشية ، والاتقاء ، (هُمُ الْفائِزُونَ) بالنعيم المقيم ، لا من عداهم.
وعن بعض الملوك : أنه سأل عن آية كافية ، فتليت عليه هذه الآية. وهى جامعة لأسباب الفوز. قال القرطبي : ذكر أسلم : أن عمر بينما هو قائم فى مسجده صلىاللهعليهوسلم فإذا رجل من دهاقين الروم قائم على رأسه ، وهو يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، فقال له عمر : ما شأنك؟ قال : أسلمت ، قال : ألهذا سبب؟ قال : نعم ؛ إنى قرأت التوراة والزبور والإنجيل ، وكثيرا من كتب الأنبياء ، فسمعت أسيرا يقرأ آية من القرآن ، جمع فيها كل ما فى الكتب المتقدمة ، فعلمت أنه من عند الله ، فأسلمت. قال : ما هذه الآية؟ قال قوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ) فى الفرائض ، (وَرَسُولَهُ) فى السنن ، (وَيَخْشَ اللهَ) فيما مضى من عمره ، (وَيَتَّقْهِ) فيما بقي ، (فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) ؛ والفائز : من نجا من النار وأدخل الجنة ، فقال عمر : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أعطيت جوامع الكلم (١)». ه (٢). والله تعالى أعلم.
الإشارة : إنما كان قول المؤمنين الكاملين ، الطالبين الوصول إلى حضرة رب العالمين ، إذا دعوا إلى حضرة الله ورسوله ؛ ليحكم بينهم وبين نفوسهم التي حجبتهم حتى يغيبوا عنها ، أن يقولوا : سمعنا وأطعنا ، ويدخلوا تحت تربية المشايخ ، فإذا أمروهم أو نهوهم ، قالوا : سمعنا وأطعنا ، وأولئك هم المفلحون الفائزون بالوصول إلى الله تعالى. ومن يطع الله فى أمره ونهيه ، ورسوله فى سنّته ، وما رغّب فيه ، ويخش الله أن يعاتبه ، أو يؤدبه ، ويتقه ، أي : يجعل
__________________
(١) بعض حديث ، أخرجه البخاري فى (التعبير ، باب رؤيا الليل ، ح ٦٩٩٨) ومسلم فى (المساجد ، ١ / ٣٧١ ، ح ٥٢٣) عن أبى هريرة رضى الله عنه. ولفظ البخاري : «أعطيت مفاتيح الكلم».
(٢) انظر تفسير القرطبي (٥ / ٤٨١٩).