الملائكة ؛ لأنهم أشرف شركائهم ، والصالحون للخطاب منهم. (قالُوا سُبْحانَكَ) ؛ تنزيها لك أن يعبد معك غيرك. (أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) ؛ أنت الذي نواليه من دونهم ، لا موالاة بيننا وبينهم. والموالاة خلاف المعاداة ، وهى مفاعلة من الولي ، وهو القرب. والولىّ يقع على الموالي والموالي جميعا. فبينوا بإثبات موالاة الله تعالى ومعاداة الكفار : براءتهم من الرضا بعبادتهم لهم ؛ فإنّ من كان على هذه الصفة ، كانت حاله منافية لذلك.
ثم قالوا : (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ) أي : الشياطين ، حيث أطاعوهم فى عبادة غير الله ، أو : كانوا يدخلون فى أجواف الأصنام ، إذا عبدت ، فيعبدون بعبادتها ، أو : صوّرت لهم الشياطين صور قوم من الجن ، وقالوا : هذه صور الملائكة فاعبدوها. (أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) أي : أكثر الإنس ، أو : الكفار ، (بِهِمْ) ؛ بالجن (مُؤْمِنُونَ) ؛ مصدقون لهم فيما يأمرونهم به. والأكثر هنا بمعنى الكل.
قال تعالى : (فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) ؛ لأن الأمر فى ذلك اليوم إليه وحده ، لا يملك أحد فيه منفعة ولا مضرة لأحد ؛ لأن الدار دار ثواب وعقاب ، والمثيب والمعاقب هو الله ، فكانت حالها خلاف حال الدنيا ، التي هى دار تكليف ، والناس فيها مخلىّ بينهم ، يتضارون ، ويتنافعون ، وأما يوم القيامة فلا فعل لأحد قط. ثم ذكر معاقبة الظالمين بقوله : (وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) بوضع العبادة فى غير موضعها : (ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) فى الدنيا.
الإشارة : ما أحببت شيئا إلا وكنت له عبدا ، ولا يحب أن تكون لغيره عبدا ، فإذا تحققت الحقائق ، التحق كل عابد بمعبوده ، وكل حبيب بمحبوبه ، فيرتفع الحق بأهله ، ويهوى الباطل بأهله. وكل ما سوى الله باطل ، فارفع همتك أيها العبد عن هذه الدار وما فيها ، وتعلق بالباقي ، دون الفاني ، ولا تتعلق بشىء سوى المتكبر المتعالي.
قال القشيري : قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ ..) إلخ ، الإشارة فى هذا : أنّ من علّق قلبه بالأغيار ، وظنّ صلاح حاله فى الاختيار ، والاستعانة بالأمثال والأشكال ، نزع الله الرحمة من قلوبهم ، وتركهم ، وتشوش أحوالهم ، فلا لهم من الأشكال والأمثال معونة ، ولا لهم فى عقولهم استبصار ، ولا إلى الله رجوع ، فإن رجعوا لا يرحمهم ولا يحبهم ، ويقول : ذوقوا وبال ما به استوجبتم هذه العقوبة. ه. قلت : قوله : «فإن رجعوا لا يرحمهم» يعنى أنهم فزعوا أولا إلى المخلوق ، فلما لم ينجح مسعاهم ، رجعوا إلى الله ، فلم ينفعهم ، ولو تابوا فى المستقبل لقبل توبتهم. وقال أيضا : ومن تشديد العقوبة الافتضاح فى السؤال. وفى بعض الأخبار : أن عبيدا يسألهم الحق غدا ، فيقع عليهم من الخجل ما يقولون : يا ربنا لو عذبتنا بما شئت من ألوان العقوبة ، ولا تعذبنا بهذا السؤال. ه. وبالله التوفيق.