والشكر على ثلاثة أوجه : شكر بالقلب ، وشكر باللسان ، وشكر بسائر الأركان. فشكر القلب : أن يعقتد أن النعم كلها من الله ، وشكر اللسان : الثناء على الله وكثرة المدح له ، وشكر الجوارح : أن يعمل العمل الصالح. وسئل أبو حازم : ما شكر العينين؟ قال : إذا رأيت بهما خيرا أعلنته ، وإذا رأيت بهما شرا سترته ، قيل : فما شكر الأذنين؟ قال : إذا سمعت بهما خيرا وعيته ، وإذا سمعت بهما شرا دفنته ، قيل : فما شكر اليدين؟ قال : ألا تأخذ بهما ما ليس لك ، ولا تمنع حقا هو لله فيهما ، قيل : فما شكر البطن؟ قال : أن يكون أسفله صبرا ، وأعلاه علما ، قيل : فما شكر الفرج؟ قال : كما قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) الآية (١) ، قيل : فما شكر الرجلين؟ قال : إن رأيت شيئا غبطته استعملتهما ، وإن رأيت شيئا مقته كفقتهما. ه.
والناس فى الشكر درجات : عوام ، وخواص ، وخواص الخواص. فدرجة العوام : الشكر على النّعم ، ودرجة الخواص : الشكر على النّعم والنقم ، وعلى كل حال ، ودرجة خواص الخواص : أن يغيب عن النعم بمشاهدة المنعم. قال رجل لإبراهيم بن أدهم : إن الفقراء إذا أعطوا شكروا ، وإذا منعوا صبروا ، فقال : هذه أخلاق الكلاب عندنا ، ولكن الفقراء إذا منعوا شكروا ، وإذا أعطوا آثروا. ه.
وهذان الآخران يصدق عليهما قوله تعالى : «(وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) ، وخصه القشيري بالقسم الثالث ، فقال : فكان الشاكر يشكر على البذل ، والشكور على المنع ، فكيف بالبذل؟ ثم قال : ويقال فى (قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) : قليل من يأخذ النعمة منى ، فلا يحملها على الأسباب ، فيشكر الوسائط ولا يشكرنى. وفى الحكم : «من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ، ومن شكرها فقد قيدها بعقالها». فالشكر قيد الموجود ، وصيد المفقود. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر موت سليمان عليهالسلام ، فقال :
(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (١٤))
يقول الحق جل جلاله : (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ) ؛ على سليمان (الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ) أي : الجن وآل داود (عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) أي : الأرضة ، وهى دويبة تأكل الخشب ، ويقال : لها ، سرفة والقادح. والأرض هنا مصدر : أرضت الخشبة ، بالبناء للمفعول ، أرضا : أكلتها الأرضة. فأضيفت إلى فعلها وهو الأرض ، أي : الأكل.
__________________
(١) الآية ٥ من سورة المؤمنون.