فى القدر إذا غلت. وخصّت الوجوه ؛ لأنها أكرم موضع على الإنسان من جسده. أو : يكون الوجه كناية عن الجملة. حال كونهم (يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) فى الدنيا ، فنتخلص من هذا العذاب ، فندّموا حيث لم ينفع الندم.
(وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا) ، والمراد : رؤساء الكفر ، الذين لقنوهم الكفر ، وزيّنوه لهم. وقرأ ابن عامر ويعقوب «ساداتنا» بالجمع ، جمع : سادة ، وسادة : جمع سيد ، فهو جمع الجمع ، (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) أي : أتلفونا عن طريق الرشد. يقال : ضلّ السبيل وأضله إياه ، وزيادة الألف للإطلاق. (رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) أي : مثلى ما آتيتنا منه للضلال والإضلال ، (وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) (١) كثير العدد ، تكثيرا لأعداد اللاعنين ، أو : العنهم المرة بعد المرة. وقرأ عاصم بالباء ، أي : لعنا هو أشد اللعن وأعظمه. وهو يدلّ على تعدد الأجزاء والأفراد.
الإشارة : مذهب العباد والزهاد والصالحين : جعل الساعة نصب أعينهم ، لا يغيبون عنها ، فهم يجتهدون فى التأهب لها ليلا ونهارا. ومذهب العارفين الموحّدين : الغيبة عنها ، بالاستغراق فى شهود الحق ، فلا يشغلهم الحق ، دنيا ولا آخرة ، ولا جنة ولا نار ؛ لما دخلوا جنة المعارف ، غابوا عن كل شىء ، فانخلعوا عن الكونين بشهود المكوّن ، وجعلوا الوجود وجودا واحدا ؛ إذ المتجلى هنا وثم واحد. وإذا كان كبراء الضلال يضاعف عذابهم ، وكان كبراء الهداية يضاعف ثوابهم ، يأخذون ثواب الاهتداء والإرشاد ، فمن دلّ على هدى كان له أجره وأجر من اتبعه إلى يوم القيامة ، ومن اهتدى على يديه أحد جرى عليه أجره ، وكان فى ميزانه كل من تبعه كذلك ، وفى ذلك يقول القائل:
والمرء فى ميزانه اتباعه |
|
فاقدر إذن قدر النبىّ محمد (٢) |
ثم رجع إلى النهى عن إذاية الرسول ، فقال :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً (٦٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (٧١))
__________________
(١) قرأ عاصم «كبيرا» بالباء ، وقرأ الباقون «كثيرا» بالتاء ، من الكثرة. انظر الإتحاف (٢ / ٣٧٨).
(٢) انظر ديوان البوصيرى (ص ١٢٢) ، وفيه :
والمرء فى ميراثه أتباعه |
|
فاقدر إذن فضل النبي محمد |