ثم ذكر أبوة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأمومة أزواجه لجميع أمته ، فقال :
(النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٦))
يقول الحق جل جلاله : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ) أي : أحق بهم فى كل شىء من أمور الدين والدنيا ، وحكمه أنفذ عليهم (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ، فإنه لا يأمرهم ، ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم ، فيجب عليهم أن يبذلوها دونه. ويجعلوها فداء منه. وقال ابن عباس وعطاء : يعنى : (إذا دعاهم النبي صلىاللهعليهوسلم إلى شىء ، ودعتهم أنفسهم إلى شىء ، كانت طاعة النبي صلىاللهعليهوسلم أولى) (١). أو : هو أولى بهم ، أي : أرأف ، وأعطف عليهم ، وأنفع لهم ، كقوله : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٢) وفى الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام : «ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به فى الدنيا والآخرة ، اقرءوا إن شئتم : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ، فأيّما مؤمن هلك ، وترك مالا ؛ فلورثته ما كانوا ، ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتنى ، فإنى أنا مولاه». (٣).
وفى قراءة ابن مسعود «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم». وقال مجاهد : كل نبى أبو أمته ، ولذلك صار المؤمنون إخوة ؛ لأن النبي صلىاللهعليهوسلم أبوهم فى الدين ، وأزواجه أمهاتهم ، فى تحريم نكاحهن ووجوب تعظيمهن ، وهن فيما وراء ذلك ـ كالإرث وغيره ـ كالأجنبيات ، ولهذا لم يتعد التحريم إلى بناتهن.
(وَأُولُوا الْأَرْحامِ) أي : ذوو القرابات (بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) فى المواريث. وكان المسلمون فى صدر الإسلام يتوارثون بالولاية فى الدين وبالهجرة ، لا بالقرابة ، ثم نسخ ، وجعل التوارث بالقرابة. وذلك (فِي كِتابِ اللهِ) أي : فى حكم الله وقضائه ، أو : فى اللوح المحفوظ ، أو : فيما فرض الله ، فهم أولى بالميراث ، (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بحق الولاية فى الدين ، (وَ) من (الْمُهاجِرِينَ) بحق الهجرة. وهذا هو الناسخ. قال قتادة : كان المسلمون
__________________
(١) انظر تفسير البغوي (٦ / ٣١٨).
(٢) الآية ١٢٨ من سورة التوبة.
(٣) أخرجه البخاري فى (الاستقراض ، باب الصلاة على ترك دينا ، ح ٢٣٩٩) ، ومسلم فى (الفرائض ، باب من ترك مالا فلورثته ، ٣ / ١٢٣٨ ، ح ١٦١٩) ، من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.