ثم ذكر قصة إبراهيم ، فقال :
(وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨))
قلت : (إبراهيم) : عطف على (نوح) ، أو متعلق باذكر ، و (وإذ قال) : ظرف زمان لأرسلنا ، أو : بدل اشتمال من (إبراهيم) ؛ إن نصب باذكر ؛ لأن الأحيان تشتمل على ما فيها.
يقول الحق جل جلاله : (وَإِبْراهِيمَ) أي : وأرسلنا إبراهيم (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) أي : أرسلناه حين كمل عقله وتم نظره ، وبلغ من السن والعلم مبلغا صلح فيه لأن يعظ قومه ، ويأمرهم بالعبادة والتقوى. وقرأ النخعي وأبو حنيفة : بالرفع. أي : ومن المرسلين إبراهيم ، قال فى وعظه : (اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ، ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) مما أنتم عليه من الكفر ، (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ؛ إن كان فيكم علم بما هو خير لكم مما هو شر لكم.
(إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً) ؛ أصناما (وَتَخْلُقُونَ) : تختلقون وتكذبون ، أو تصنعون أصناما بأيديكم تسمونها آلهة. وقرأ أبو حنيفة والسّلمى : «وتخلّقون» بالكسر والشد. من خلّق ؛ للمبالغة. (إِفْكاً) : وقرئ «أفكا» بفتح الهمزة (١) ، وهو مصدر ، نحو كذب ولعب. واختلاقهم الإفك : تسميتهم الأوثان آلهة وشركاء لله.
(إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً) : لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئا من الرزق ، (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ) كلّه ؛ فإنه هو الرزاق وحده ، لا يرزق غيره. (وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ) أي : متوسلين إلى مطالبكم بعبادته ، مقيدين لما خصكم به من النعم بشكره ، (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ، فاستعدوا للقائه بعبادته والشكر له على أنعمه ، (وَإِنْ تُكَذِّبُوا) أي : تكذبونى (فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) رسلهم ، (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) الذي يزول معه الشك. والمعنى : وإن تكذبونى فلا تضروننى بتكذيبكم ؛ فإن الرسل قبلى قد كذبتهم أممهم ، وما ضروهم ، وإنما ضروا أنفسهم ، حيث حلّ بهم العذاب. وأما الرسول فقد أدى ما
__________________
(١) فى الأصول [بفتح الفاء]. وانظر : البحر المحيط (٧ / ١٤١). فقد قال أبو حيان : «قرأ ابن الزبير وفضيل بن زرقان. (أفكا) بفتح الهمزة وكسر الفاء ، وهو مصدر مثل الكذب».