عقله وقوته ، وهو أربعون سنة ، ويروى أنه لم يبعث نبى إلا على رأس أربعين سنة. (آتَيْناهُ حُكْماً) : نبوة ، أو : حكمة (وَعِلْماً) : فقها فى الدين ، أو : علما بمصالح الدارين. والحاصل : لما تكامل عقله وبصيرته آتيناه حكما على عبادنا وعلما بنا. (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي : كما فعلنا بموسى وأمه ؛ لمّا استسلمت لأمر الله ، وألقت ولدها فى البحر ، وصدقت بوعد الله ، فرددنا لها ولدها ، ووهبنا له الحكمة والنبوة ، فكذلك نجزى المحسنين فى كل أوان وحين.
قال الزجاج : جعل الله تعالى إيتاء العلم والحكمة مجازاة على الإحسان ؛ لأنهما يؤديان إلى الجنة ، التي هى جزاء المحسنين ، والعالم الحكيم من يعمل بعلمه ؛ لأنه تعالى قال : (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (١) ، فجعلهم جهالا ، إذ لم يعملوا بالعلم. ه.
(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ) أي : مصر ، آتيا من قصر ، فرعون ، وكان خارجا ، وقال السّدّى : مدينة منف من أرض مصر ، وقال مقاتل : قرية «حابين» ، على فرسخين من مصر. (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) ، وهو ما بين العشاءين ، أو : وقت القائلة ، يعنى : انتصاف النهار. قال السدى : لما كبر موسى ؛ ركب مراكب فرعون ، ولبس ملابسه ، فكان يدعى موسى بن فرعون ، فركب فرعون يوما وركب موسى خلفه ، فأدركه المقيل بقرب مدينة منف ، فدخلها نصف النهار ، وقد غلقت أسواقها ، وليس فى طرقها أحد ، فوجد موسى رجلين .. إلخ.
قال ابن إسحاق : كان يجتمع إلى موسى طائفة من بنى إسرائيل ويقتدون به ، فرأى مفارقة فرعون ، وتكلم فى ذلك حتى ظهر أمره ، فأخافوه ، فكان لا يدخل قرية إلا مستخفيا ، فدخلها على حين غفلة. وقيل : إن موسى لما شبّ علا فرعون بالعصى ، فقال : هذا عدو لى ، فأخرجه من مصر ، ولم يدخل عليهم إلى أن كبر وبلغ أشده ، فدخل المدينة على حين غفلة من أهلها بخبر موسى ، أي : من بعد نسيانهم خبره (٢) ، (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ) ؛ يتضاربان ، (هذا مِنْ شِيعَتِهِ) ؛ ممن على دينه من بنى إسرائيل ، وقيل : هو السامري. وشيعة الرجل : أتباعه وأنصاره ، (وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) ؛ من مخالفيه من القبط ، وهو طباخ فرعون. واسمه : «فليثور» ، وقيل فيهما : «هذا وهذا» ، وإن كانا غائبين ؛ على جهة الحكاية ، أي : إذا نظر إليهما الناظر قال : هذا وهذا.
وقال ابن عباس : لما بلغ موسى أشده كان يحمى بنى إسرائيل من الظلم والسخرة ، فبينما هو يمشى نظر رجلين يقتتلان ، أحدهما من القبط والآخر من بنى إسرائيل.
__________________
(١) من الآية ١٠٢ من سورة البقرة.
(٢) أخرج هذه الأقوال الطبري فى تفسيره (٢٠ / ٤٣ ـ ٤٤).